إن ما امتازت به حركة الهجرة من كونها ذات جنسية عربية واحدة قد اجتذب إلى جيوش العرب الغزاة، ممثلي القبائل العربية ورؤساءها، تلك القبائل التي كانت تعيش في أطراف الجزيرة، والتي تمر بها طرق الجيوش الفاتحة. ولذلك فليس غريباً أن نجد كثيراً من أهل البدو المسيحيين قد اكتسحهم مد تلك الحركة القوية، ونجد تلك القبائل العربية التي دانت بالمسيحية عدة قرون تهجرها حينذاك وتعتنق الدين الإسلامي. ومن هؤلاء قبيلة الغساسنة الذين كان لهم السلطان في الصحراء الواقعة شرقي فلسطين وجنوبي الشام، والذين قيل عنهم إنهم (سادة في الجاهلية ونجوم في الإسلام) وبعد موقعة القادسية سنة ١٤ هـ التي هزم فيها جيش الفرس بقيادة رستم اشد هزيمة جاء كثير من المسيحيين من قبائل العرب البدوية المقيمة على شاطئ الفرات، إلى القائد العربي وقالوا له:(لقد كانت القبائل التي اعتنقت الإسلام في باكورته أعقل منا، أما الآن وقد قتل رستم فسندخل في الدين الجديد)
وشبيه بهذا أيضاً ما حدث بعد فتح شمالي الشام فإن معظم أهل القبائل البدوية انظموا بعد تردد قليل، إلى أتباع الرسول (ص)
إنه لمن الممكن أن نحكم أن القوة لم تكن العامل القاطع في حوادث اعتناق الإسلام، من العلاقات الطيبة التي كانت بين المسيحيين والمسلمين العرب. فقد عقد محمد (ص) نفسه تحالفاً مع بعض قبائل مسيحية، واعداً أن يحميهم، وكافلاً لهم الحرية الدينية، ولرجال دينهم أن يتمتعوا بحقوقهم القديمة وسلطانهم من غير أي تدخل. وقد ألفت مثل هذه العلاقات أيضاً بين أتباع الرسول وبين أفراد عشيرتهم من أصحاب الدين القديم (يعني المسيحية) وقد تقدم كثير منهم طوعاً ليساعد المسلمين في بعثاتهم الحربية، مدفوعين بروح الطاعة للحكومة الجديدة. وتلك الروح نفسها قد أبقتهم منعزلين عن حركة الردة العظيمة التي رفع أصحابها راية العصيان في جميع أنحاء الجزيرة العربية عقب موت الرسول (ص) مباشرة
ويرى بعض المؤرخين أن العرب المسيحيين الذين كانوا يحمون حدود الإمبراطورية البيزنطية من ناحية الصحراء قد غامروا بنصيب مع جيش المسلمين الفاتحين حينما رفض هرقل أن يدفع إليهم ما كان يجري عليهم من العطايا، مقابل خدماتهم الحربية كحراس لأطراف الإمبراطورية