للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المسرح والسينما]

في الفرقة القومية

دكتاتورية المدير

اسأل من شئت من الناس من هو مدير الفرقة القومية، فيجيبك على التو بأنه مثال حيّ للقداسة وطيب السريرة، ويشيد الثاني بأريحيته ونخوته، ويثني الأكثرون على أدبه وطول باعه في ميدان الشعر الذي لا يجلي فيه سوى إنسان عرف الحياة وأدرك كوامن أسرارها.

ويقيني أن هذه الخصال والسجايا هي بعض نحيزته الموهوبة المكتسبة؛ فلو سوّلت البداوات لأديب أن يترجم لحياة مدير الفرقة فهو لابد مأخوذ بتلك السجايا، لا محيد له عن التقيد بها لأنها لازمته طوال حياته، ولكنها عافته منذ تولي زمام الإدارة، وزايلته يوم توهم أنه صار من أخدان الموظفين البيرقراطيين وأقران الحاكمين، ويوم تخيل فخال أنها فرقة حكومية لها نفوذ البوليس، وسلطان مأمور القسم!

ليس في تصدينا لبحث الناحية التي طرأت على حياة مدير الفرقة مما يبعدنا عن صميم موضوع حياة الفرقة، لاعتقادنا أنها مرتبطة بحياته السابقة، تلك الحياة التي كانت متوشحة بوشاح القداسة قد أخذت الآن تنزع عنها رمز قدسيتها، لا للظهور بفطرتها، بل لإظهار الناحية الأخرى لتلك القداسة.

كان لمدير الفرقة أصدقاء عديدون بحكم ما له على بعضهم من أياد بيضاء، أو شفاعة لا تنسى، أو سعي مشكور، أو بحكم راحة النفس على آدابه الرفيعة، وفنه الشعري السامي.

تقدم هؤلاء الأصدقاء يمدون أيديهم تساند الأديب الكبير، مدير الفرقة القومية للتمثيل العربي، رمز النهضة، وعنوان الثقافة، وتنير له السبيل الوعر الذي سلكه للفني المسرحي، وهو ما كاد يصافحهم ويحتضنهم بعض الوقت حتى أقصاهم عنه إقصاء لا عودة بعده.

ثم تلفت المدير يمنة ويسرة، فإذا به يرى شرذمة من ممثلات وممثلين، وطغمة من عاملات وعاملين، وفلولاً من فساكل الصحافيين والمتأدبين، تحيط به إحاطة ممثل أدوار الكوميديا بموضوعه، فيهم (السادي) وفيهن (الميسودية) وبالعكس، ولكنهم جميعاً يعرفون التملق بمعناه ومبناه، لا يصدهم عن الارتماء على أقدام (سعادة المدير) سوى اكتفائه بمد راحته للتقبيل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>