كانت الغابة تثير الرعب في قلوب الجن، وكانت الظلمات تضرب في أنحائها فتجعلها تيهاً يعج بالأفاعي، ويضج بالتنانين
وكان ملكها الضرغامة يربض في المغارة المفزعة، المنشقة كالقبر في أول الطريق المؤدي إليها؛ وكان يخرج في أول الليل فيصول في القرى المجاورة ويجول؛ وكان الأهلون التعساء يلقون من بطشه وشدة أذاه الشيء الكثير؛ فلم يكن يبقى على دابة في الأرض، ولا إنسان في الطريق. ينقض كالقضاء على فريسته فيجندلها، ثم يحتملها إلى كهفه فيلتهم منها، وينبذ الباقي لخدمه وعبيده الكثيرين من سائر السباع
ولم يكن كهذه الأسود الضئيلة التي يتحدث عنها السودان هذه الأيام، بل كان أسداً في جرم الفيل وقوته، ورشاقة النمر وخفته، وخباثة الثعلب وحيلته. . . يثور فينقدح الشرر من مقلتيه، وتمور الأرض وتسجد الجبال بين يديه. وكانت له لبدة نسجتها له الآلهة من أشواك الجحيم، وبطنّها بحمّى المنية!
وكان زئيره يقصف كالرعد فيزلزل شعاف الجبل؛ ويهز جوانب السماء، ويهيج الجنون والفزع في رؤوس الوحوش، فترى إلى الغابة كأنها ترقص على فوهة بركان!!
ولقى هرقل أصدقاءه فنصحوا له ألا يلقى هذا الأسد، وأن يضنّ بشبابه. . . على أنيابه؛ وبماء الحياة المتدفق في بردتيه، على جمر الغضى المتأجج في حدقتيه. . .
ولكنه أبى!! وانطلق كالعاصفة إلى حيث يربض أبو أسامة. . . وإنه لعلى خطوات من الكهف، وإنه لينظر إلى السيف الذي كان إلى هذه اللحظة في يمينه فلا يجده!!
(أين؟ أين سيفي؟. . . آه! ها ها. . . لقد سرقته حيرا!! أرادت الخبيثة أن تجردني من السلاح الذي أنازل به خصمي! خاب فألك يا حيرا!! سأنازله بغير ما سلاح. . . سأحطمه.