لا يلذ لكم معشر البشر أن نتحدث إليكم نحن معشر القمل، لأننا في
أعينكم شارة الأقذار ظل الأوساخ، وتلك قذيفة لا تقوم على حجة ولا
يدعمها برهان، فنحن لا نتغذى إلا من دمائكم، ولا نرتوي إلا من
ثغور نثقبها في جلودكم، وسواء لدينا الجسم القذر والجسم النظيف،
وربما كان الجسم النظيف أحب إلينا، لأن مثاقب القوت تكون عندئذ
أقرب إلينا ولكن صاحب الجسم النظيف لا يعطينا المهلة للحياة فهو
يغير ملابسه المرة تعقبها المرة، فيحول بذلك بيننا وبين موارد أرزاقنا
فنموت جوعا في يومين وقد نحيى إلى سبع، لأننا في طيات هذه
الملابس نتخذ منازلنا ولا نخرج عنها إلى الجسم الا طلباً للقوت، فإذا
أصبناه عكفنا راجعين إليها.
وقلتم أن القمل سبب لأمراض قاتلة كالتيفوس، والحق أننا لا نخلق المرض ولا نبتدع الشر فأصول هذه الأوبئة فيكم وعنكم نأخذها في الدم الذي نستقيه منكم، وبالرغم حبنا لمساقط رؤوسنا وألفتنا للجسم الذي نشأنا عليه وترعرعنا، تضل منا أحياناً أفراد فتنتقل غير واعية من رجل مريض إلى رجل سليم لا سيما في الزحمة حيث تتلاقى المناكب وتتلاصق الثياب، فإذا هي وردت منهله العذب لوثته، بما حملت من المنهل الأكدر، فترون من هذا أنا لا نخلق السوء وإنما نسوي بينكم في الأسواء.
وأسميتمونا المتطفلة لأننا لا نستطيع هضم كل طعام كما تستطيعون، وليس لنا جهاز هاضم راق كالذي به تهضمون، فأنتم تهضمون لنا الغذاء، فنمتصه منكم مهضوماً في الدماء، وليت شعري أي سبة في هذا أو عار أفلستم تتطفلون على الشاة والبقر وصنوف الطير