للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الربيع في غير مكانه!]

للأستاذ عباس محمود العقاد

الربيع. الربيع. الربيع!

وكررها ما شئت، فما أنت ببالغ من تكرارها بعض ما تراه من اسم الربيع مرقوماً بشتى الحروف، في كل صفحة من صفحات الكون

كل بستان يقول لك الربيع، وكل شجرة في بستان تقول لك الربيع، وكل طائرة غادية أو رائحة بين الزهر والشجر تقول لك الربيع. . .!

وتقول لك الربيع كل عين لامعة، وكل وجفة متوهجة، وكل قلب خافق، وكل حياة نامية

الربيع في كل مكان

الربيع في مكانه وفي غير مكانه، ويا رب ربيع في غير مكانه يلقاك بمعنيين لا بمعنى واحد، كما يروعك الحسن غير منتظر، أشد من روعته إياك وأنت في انتظاره، وعلى عهدك باختباره

في مكانه بين الضفاف والأشجار

وفي غير مكانه أين؟ أين نلقاه في أوانه، بعيداً من مكانه؟

سلني وسل من واعدوه مثلي قي مختلف المواعد، فيا طول ما رأيته حيث لا يراه الناس! ويا طول ما ذكرته حيث لا يذكره الناس! ويا طول ما حييته حيث لا يحييه أحد، ولا يأنس إليه

في المقبرة، في السجن، في الصحراء، في وحشة النفوس التي تستعير الموت من المقبرة والضيق من السجن والظمأ من الصحراء

هنالك الربيع في خير أوانه؛ وهنالك الربيع في غير مكانه؛ وهنالك الربيع الذي لا أحب أن أنساه حين يذكر الناس كل ربيع!

كانت الشجرة باسقة ناضرة، وكانت العصافير تملأها قبل مطلع الشمس وبعد مغيبها، ثم لا تزال تغبها طوال النهار شادية صافرة، لاهية سادرة، متلاقية زوجين زوجين أو متعاشرة، ظاهرة بالفرار أو متظاهرة، ثم متلاقية في الصبيحة الباكرة، متلاقية في قيلولة الهاجرة، متلاقية في الظلمة الساترة

<<  <  ج:
ص:  >  >>