للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[توماسو كمبانلا]

لألفرد فيبر

للأستاذ عبد الكريم الناصري

إنا نصيب في بحوث توماسو كمبانلا - وهو كبرونو دومنيكي من جنوبي إيطاليا - ملامح من مقالات الإنجليز والألمان في العقل الإنساني، أعنى من النقد الحديث، ولد هذا البطل الجريء من أبطال إصلاح الفلسفي والحرية الإيطالية بمقربة من (ستيلو) من أعمال كالبريا، سنة ١٥٦٨، وتوفي في باريس، سنة ١٦٣٩، بعد أن أنفق سبعة وعشرين عاماً في غياهب السجن بنابُلي، بتهمة التآمر على الحكم الأسباني.

وكمبانلا تلميذ من تلامذة الشكاك اليونان. وقد علمته هذه المدرسة أن الميتافيزيقا تقوم على الرمل إن لم تُبنَ على أساس نظرية في المعرفة. ومن ثم تبحث فلسفته أول ما تبحث في المسألة الصورية.

تنشأ معرفتنا من مصدرين: التجربة الحسية، والاستبدال العقلي؛ فهي إما (تجربية) وإما (نظرية).

هل المعرفة المحصلة بالإحساس يقينية؟

يرى أغلب القدماء أن شهادة الحواس يجب أن تغفل، ويلخص الشكاك شكوكهم في الحجة التالية: ليس الموضوع الذي تدركه الحواس إلا تكفيناً في الذات، وإن الواقعات التي تحصل - فيما تخبرنا الحواس - خارج النفس، إنما تحصل على الحقيقة. الحواس هي حواسي؛ إنها جزء مني؛ والإحساس واقعة تحدث فيَّ؛ وهي واقعة أعللها بعلة خارجية، في حين أن الذات المفكرة قد تكون علتها المعينة ولكن غير الواعية؛ فليس هذا التعليل بأعسر من ذاك. وإذا كان الأمر كذلك، فكيف نستطيع أن نصل إلى علمٍ يقينيٍ بوجود الأشياء الخارجية وطبيعتها؟ إذا كان الموضوع الذي تدركه حواسي لا يريد على انه إحساسي، فكيف أبرهن على انه موجود في الخارج؟ يجيب كمبانلا: بأني أبرهن على ذلك (بالحس الباطن).

فالإدراك الحسي يجب أن يستمد صفة اليقين - التي لا يملكها في نفسه - من العقل: يحيله معرفةً. قد يشك الميتافيزيقي في صدق الحواس، ولكنه لا يستطيع أن يتهم الحس الباطن.

<<  <  ج:
ص:  >  >>