للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من بريد الرسالة]

جواب الآنسة حياة

وكتاب آخر فرنسي، أنيق الشكل، جيد الخط، رائق الأسلوب، هادئ البيان، أتانا من الآنسة حياة!! فعجبت من إصرار هذا اللسان الأجنبي على التدخل الفضولي بين لسانين عربيين! ولكني لم أكد أسير في قراءته حتى تساير عن نفسي العجب، وتراجع عن وجهي القطوب، واتضح في ذهني العذر، وملكتني سورة من الحنق المر على نُظمنا التربوية والتعليمية التي شوهت في النشء عواطف الجنسية، وشتت في الشعب معاني الوحدة، وأخفقت كل الإخفاق في تكوين أمة واحدة النزعة والوجهة والثقافة.

تقول الآنسة الفاضلة: (. . . نعيت عليّ أني كتبت إليك بالفرنسية، والسبب في ذلك بعيد كل البعد عن التظرف والحذلقة والله يعلم وصواحبي يشهدن بما كان بيني وبين الراهبات المعلمات من الجدل العنيف كلما تعرّضن لديننا بالغمز، أو لتاريخنا بالعبث أو للغتنا بالزراية. . إنما أنا ومثيلاتي ضحية من ضحايا نظام مدرسي لم يقم ألا لتعليم الفتى (ميكانيكية) الحكومة. لأن قيامه لهذه الغاية جعل من طبيعته إغفال أمر البنت، فلجأ بها أولياؤها إلى المدارس الأجنبية، فنشأت هذه النشأة البتراء المشوبة، لا تعرف عن دينها إلا التشبه، ولا من لغتها وأدبها غير القشور.

لو كنت كتبت إليك بعربيّتي لحسبتني طفلة تجمجم بالكلام ولا تبين! ويكون من وراء ذلك انك لا تفهمني ولا تفهم عني، فكتبت إليك بالفرنسية لأن الإنسان يميل بطبعه إلى جهة القدرة لا إلى جهة العجز، ويؤثر بغريزته جانب الكمال على جانب النقص، ولئن تعرّضت بذلك إلى غضبك، فقد نجوت ولله الحمد من سخرك، وسخطك عليّ أحب إلى كرامتي من استخفافك بي.

ما كان أسعدني لو ملكت من لغتنا ما تملك فترجمت عن نفسي بمثل ما ترجمت عني في الفقرات التي نشرتها من كتابي.

أنا الآن أعالج في نفسي هذا النقص بالدرس المستمر لآداب العربية، وتكاد (الرسالة) أن تكون الوسيلة الوحيدة لهذا الدرس، فأنا أستوعب أبوابها المختلفة، وأتذوّق أساليبها المتنوعة، ويخيّل إلي أني قطعت إلى غايتي مرحلة كبيرة. ولكني أجد في (الرسالة) نفسها

<<  <  ج:
ص:  >  >>