هذا هو الحبل الذي شنقنا به أنفسنا كثيرا. وشنقنا به المستعمرون كثيرا؛ ولا زلنا كل يوم نجده قريبا من أعناقنا للساعة التي نريد أن ننتقم من أنفسنا فيها أو ينتقم منا فيها غيرنا.
وإذا كان من صالح الدول الغربية الاستعمارية وغيرها، أن تباعد بيننا وبين ماضينا ومعتقداتنا، فإنه ليس من صالحنا نحن أن نباعد عنا هذا الماضي وهذه المعتقدات. والأمم الغربية كلها مردة على الإفلات من قبضة الدين حتى ما تستطيع الرجوع إلى حظيرته مرة أخرى، وهي تريدنا على أن نكون مثلها، فنخلع عنا هذه الروحانية العالية والتوجيه السامي والإرشاد المنير حتى تجد فينا مرتعا خصبا، تحقق فيه آمالها ورغائبها، لأنها تعلم حق العلم، أن ديننا - هذا الدين الإسلامي الحنيف - يقف دونها، ويحول بينها وبين ما تبغي، ولا يكاد يفسح لها طريق الاستغلال والاحتكار والإذلال والاستعمار.
وطالما سعت الأمم الغربية إلى هذه الغاية، والعصور الماضية لا زالت تتراءى لنا في صفحاتها بالعظات والأخبار الحروب الصليبية المتكررة، والهجمات المتتابعة من الغرب على الشرق في محاولات كثيرة لتشويه الدين الإسلامي، وتسفيه العقلية الإسلامية، والاستيلاء على بلاد الإسلام.
وقد اشتبك الغرب بالشرق - منذ الإسلام - اشتباكات كثيرة، كتب النصر في بعضها للشرق، وكتب النصر في بعضها للغرب. على أن نصر الشرق كان مرجعه في كل مرة إلى الاستمساك بعقائده الرفيعة، ومثله العالية، ودينه الرباني الحنيف. ويوم انتصر الغرب على الشرق، كان ذلك بعد أن تخلينا عن ديننا، وغلبنا على أنفسنا، وسعينا وراء رغائب الحياة الذليلة ومثلها الهابطة، نفني أعمارنا وقوانا، ونجعل منها سدا منيعا يحرمنا الاسترواح في ظل رسالتنا، وطرائقها الحيوية، وأهدافها.
لقد استعمر الغرب بلادنا، واستولى على مواردنا، واحتكر مجالات النشاط الاقتصادي، وساقنا إلى حروب لا شأن لنا بها! غير أن أعظم ما فعله خطرا، هو تلك الطائفة (المسلمة!) التي رباها ونشأها وأعدها لحكم البلاد، ووقف هو من وراء ستار يملي عليها