هذه الطائفة (المسلمة!) تقتل الإسلام وتقتل المسلمين بأسلوب استعماري غير مباشر، بعد أن فرغ الاستعمار من كل ما يطيق في هذه السبيل بأسلوبه المباشر، واخترع لنا هؤلاء جميعا فكرتي السلطة الدينية والسلطة الزمنية اللتين اعترف بهما الغرب لتنحسر ظلال الدين عن مرافق الحياة، وحاولوا أن يوهمونا بان السياسة شيء والدين شيء آخر. وارتفعت أصواتهم المتخاذلة هنا وهناك لتنشر في الشعوب المستكينة هذا المبدأ الخبيث.
نحن في بلادنا، وقد انطلقت إلينا الدول الغربية من بلادها، فمزقت العالم الإسلامي مزقا، وعذبت المسلمين في كل قطر حلت به، وضربتهم بالذل والفقر والفساد، كلما بدت محاولة لإرجاعنا إلى مبادئنا الدينية حتى ننهج في الحياة نهجا صحيحا، أذاع المستعمرون بيننا بلسانهم أو بلسان عملائهم، أن الإسلام حرب وأن المسلمين متعصبون، وأنه لا دين مع سياسة، ولا سياسة مع دين.
لذلك تجدنا في حاجة إلى تصحيح هذه الأوضاع الخاطئة التي جرت عليها السنون أذيالها، والتي تبدو الآن لكثير من الناس حقيقة لا مفر منها، في حاجة إلى فهم ديننا إلى حقيقته، والرجوع به إلى مصادره الأولى؛ يوم كان سياسة عملية زاكية، تعمر ولا تخرب، وتهدي ولا تضل وتعدل ولا تظلم، وتحسن ولا تسيء، في حاجة إلى فهم أن ديننا سياسة وأن سياستنا دين، وأن حياتنا في أنفسنا ومع غيرنا لا بد أن تقوم على هذا الأساس. في حاجة إلى فهم قيمة عقيدتنا في الحياة، ومعرفة أسلوبها في فض مشاكل الناس ومشاكل الأمم، ودراسة أهدافها، ودراسة موضوعية صحيحة. في حاجة لأن نفهم هل الإسلام حقيقة دين حرب! وهل المسلمون بالتالي متعصبون!
في هذا كله أخرج الأستاذ قطب كتابه الرائع (السلام العالمي والإسلام) وهو من أول سطر فيه يسجل وظيفة العقيدة الدينية (فعمر الإنسان محدود، وأيامه على الأرض محدودة، وهو - بالقياس إلى هذا الكون الهائل الذي يعيش فيه - ذرة تائهة لا مستقر لها ولا قيمة، وعمره بالقياس إلى الزمن الهائل من الأزل إلى الأبد ومضة برق أو غمضه عين.
ولكن هذا الفرد الفاني. . يملك في لحظة أن يتصل بقوة الأزل والأبد، أن يمتد طولا وعرضا في ذلك الكون الهائل، أن يرتبط به في أعماقه وأمشاجه بوشائج من القربى لا