تنفصم، أن يشعر أنه من تلك القوى الهائلة وإليها، أنه يملك أن يصنع أشياء كثيرة، وأن ينشئ أحداثا ضخمة، وان يؤثر في كل شيء ويتأثر. . . يملك أن يحسن الوجود في الماضي والاستقرار في الحاضر، والامتداد في الآتي، يملك أن يستمد قوته من تلك القوة الكبرى التي لا تنضب ولا تنحسر ولا تضعف، وإنه لقادر إذن على مواجهة الحياة والأحداث والأشياء بمثل قوتها، فما هو باللقى البضائع، ولا بالفرد العاجز، وهو يستند إلى قوة الأزل والأبد وإلى ما بينه وبينها من وشائج.
تلك وظيفة العقيدة الدينية، وذلك أثرها في النفس والحياة والعقيدة الإسلامية تنظر إلى الإنسان ككل، دون تفرقة بين سلوكه وأهدافه ونوازعه ودوافعه، ودون تفرقة بين روحه وعقله وجسده (فهي تشمل كل نشاط الإنسان في كل حقول الحياة، فلا تقصر مهمتها على حقل دون حقل، ولا على اتجاه دون اتجاه. إنها لا تدع ما لقيصر لقيصر وما لله لله، فما لقيصر وقيصر ذاته، في العقيدة الإسلامية - كله لله. وما لقيصر حق ليس للفرد من رعاياه، وإنها لا تتولاه روح الفرد وتهمل عقله وجسده، أو تتولى شعائره، وتهمل شرائعه، أو تتولى ضميره وتهمل سلوكه، وإنها لا تتولاه فردا وتهمله جماعة؛ ولا تتولاه في حياته الشخصية وتهمل نظام حكمه أو علاقات دولته.
(والإسلام يعد الحياة وحدة، وحدة من ناحية الزمن متماسكة الحلقات، متدرجة الخطوات، متضامنة الأجيال، متعاقبة الأطوار. وحدة من ناحية الفطرة؛ متماسكة النوازع والأشواق، ممتزجة المادة والروح، قابلة للارتفاع إذا حسن توجيهها وتزكيتها، مستعدة للهبوط إذا ساء التوجيه والقيادة (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها).
وإذا كان الإنسان ينظر إليه ككل، وإذا كانت الحياة ينظر إليها كوحدة، وإذا كانت الحياة قابلة للهبوط إذا ساء التوجيه، ومستعدة للارتفاع إذا حسنت التزكية، وإذا كان ذلك كذلك فإن الإسلام يرسم طريقة فذة لتربية هذا الكل الذي هو الإنسان، وللارتقاء بهذه الوحدة التي هي الحياة. فسلام الضمير، وسلام البيت، وسلام المجتمع - كل هذه أهداف سعى إليها الإسلام على طريق معبدة وبوسائل عملية مثمرة، حتى يطمئن الفرد فيطمئن البيت، وإذا ما أطمئن البيت أمن المجتمع. وبعد هذا كله تظلل الحياة والأحياء أعلام الأمن والسلام.