أن الإسلام يرى أن سلام الأمم والجماعات إنما هو من ذات الفرد الذي يكون الأمم والجماعات، فالفرد هو اللبنة الأولى التي أن صلحت صلح البناء كله، وإن فسدت وكانت واهية ضعيفة انهدم البناء كله من أساسه. الفرد ذو قيمة، لأنه هو الذي يكون الأمم، وهو الذي ينشر المحبة والسلام، وهو الذي يسعى بما شب عليه إلى نظام في الحياة أمثل، ولذلك رعاه الإسلام حق الرعاية وهداه ووجهه وأرشده إليها. هذا وهو فرد، أما إذا كان في مجتمع صغير - مجتمع الأسرة -، فقد وضع له القوانين والنظم، وراعى في ذلك حياة فرد آخر أو أفراد آخرين، ليكونوا أداة عاملة في رقي الحياة. فشرع الرباط المقدس يربط بين الزوجين، وحرم الاختلاط والتبرج؛ وسن الحدود لحماية الأعراض. وأحل الطلاق وهو أبغض حلال إلى الله. وأباح تعدد الزوجات ليمكن مواجهة أحداث الزمن ونوازله. ثم جعل العائلة كلها متكافلة في السراء والضراء؛ في حال القدرة يفيض بعض أفرادها على بعض، وفي حال اليأس يعين القادر المحتاج.
وإذا خرج الفرد إلى المجتمع الأكبر لم يتركه الإسلام، بل يسن له من القوانين والمبادئ والنظم ما يكفل لهذا المجتمع حياة صحيحة، وما يدفع به في ثقة وأمن لتحقيق إرادة الله وكلمته، تلك الكلمة التي بها نزلت الشرائع من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فالرسل جميعا في هذه الكلمة سواء: وهم مكلفون دعوة الناس إليها، وهم مكلفون هم ومن معهم الدفاع عنها والتضحية في سبيلها.
لم يغفل الإسلام في هذا المجتمع الأكبر الأدب الاجتماعي النفساني. ولم يقصر في بذر بذور الحب والرحمة، وفرصة التعاون والتضامن. وشرع أهدافا عليا يسعى إليها المجتمع السليم. ونظم الحكم، وضمن العدالة القانونية. وضمن الأمن والسلامة وضمن الحياة المعيشية. وعادل بين الطوائف والأفراد اجتماعيا. وقرر في المال أصولا قيمة تضمن سلامة المجتمع.
الله واحد. صدر عنه كون واحد. بكلمة منه واحدة. وهداه بشريعة واحدة. كل هذا ليأمرنا بالوحدة والمحبة والتعاون، وتحقيق كلمة الله التي أرادها على مر الأيام والدهور، من صدق وعطف ورفع ظلم، وإحسان وتعاون وإثمار، ووقوف في وجه الطغيان، ومحاربة الاستغلال الفردي والجماعي، والتزام الجادة، والنأي عن كل ما يحط الإنسان والإنسانية.