نعرف ما لقضية دريفوس الشهيرة من أهمية وآثار بالغة في تاريخ فرنسا المعاصر السياسي والاجتماعي. وقد مضى اليوم زهاء ثلاثين عاماً على خاتمة تلك القضية الشهيرة التي حكم فيها على الضابط البريء الفريد دريفوس بالنفي والتجريد، واستمرت أدوارها بين إعادة نظر ونقض وأحكام مختلفة مدى عشرة أعوام، تأثرت خلالها الحياة الفرنسية العامة أيما تأثير؛ ثم حكم نهائياً بتبرئة الضابط المظلوم ورد إليه حقوقه واعتباره. ومع ذلك لم تقل بعد آخر كلمة في هذه القضية الشهيرة. فقد صدر أخيراً كتاب بالفرنسية بقلم هنري مازيل عنوانه (تاريخ قضية دريفوس ونفسيتها) يذهب في المؤلف إلى رأي جديد يرفق فيه بين رأي القائلين ببراءة دريفوس، ورأي خصومهم، وأنه لم يكن في المسألة كلها خائن ولا متهم؛ وأنه إذا كان ثمة متهم، فهو متهم من نوع خاص لأنه لم يكن سوى الكولونل شفارتز كوبن الملحق الحربي للسفارة الألمانية، فهو الذي دبر الدسيسة كلها، وعمل على تغرير أركان الحرب وخديعته
ذلك أن الكولونل لاحظ منذ مدة أن مدام بستيان خادمة السفارة تحمل دائماً قصاصات الورق التي يلقيها في سلة المهملات إلى قلم المخابرات الفرنسي؛ ففكر في أن يخترع حكاية (البردرو) وهي الوثيقة التي كانت أصل القضية كلها، فكتب عندئذ هذه الوثيقة بنفسه، مقلداً فيها خط الضابط استرهازي الذي كان لديه نماذج من خطه لأنه كان يكاتبه؛ ولما كتب الوثيقة مزقها بعد ذلك، وألقاها في سلة المهملات؛ فأخذت مدام بستيان القصاصات كالمعتاد إلى قلم المخابرات
ويؤيد مسيو مازيل رأيه بأدلة منها أن (البردرو) كان مكتوباً بفرنسية ركيكة لا يمكن أن تصدر من ضابط في أركان الحرب مثل دريفوس، ولا يمكن أيضاً أن تكون من كتابة استرهازي لأنه كان يكتب خطاباته دائماً في أسلوب مختار؛ وكل الدلائل تدل على أن (البردرو) إنما كتبه رجل بالفرنسية يفكر بلغة أخرى
وقد أثارت نظرية مسيو مازيل اهتماماً كبيراً في دوائر التاريخ والقضاء؛ ونالت تأييداً كبيراً