مطالب جليلة، ورغائب جميلة، وقلوب كبيرة نبيلة، إلى معارف شبيبة مثقفةٍ، ومدارك كهولةٍ ممحصة، وتجارب شيخوخة محنكة، مع كثيرٍ من الخيرات والبركات، قد حل دمشق أولئك جميعاً بحلول رجال المؤتمر الطبي الثامن فيها
أجل تغيرت بهم في دمشق أحوال المجتمع والحياة، فأصبح مؤتمرهم حديث الأندية وملهج الألسنة، فلم يبق في أحياء الفيحاء من لم يتحدث به من الرجال والنساء؛ وتبدلت كذلك فنادق دمشق بأبهائها وموائدها وبما قام فوق صروحها من خضر الأعلام المصرية الزاهرة بأنجمها الثلاثة وهلالها خفاقة إلى جانب تلك الأعلام الشامية الزاهية بألوانها الأربعة وجمالها
ويا حبذا يوم نشاهد هذه الأعلام العربية بلغة أبنائها وبلدانها، تقر عيوننا بكثرة أنواعها وألوانها فيتماوج غداً على المؤتمرات العربية في دمشق: العلم المصري والشامي والعراقيّ والحجازي واليماني والبرقي والتونسي والجزائري والمراكشي، وتتمازج فيها لهجات العرب المنتشرة في أقطار هذه الأعلام، فيتألف من مجموعها لحن عربي نديّ يرتفع له حجاب السمع، ويهتز له شغاف القلب
بل قل ما أسعد ذلك اليوم الأغر المحجل الذي نرى فيه للأقطار العربية المتحدة - والقاهرة (وشنطونُها) يومئذ - علماً عربياً واحداً، ونسمع لها فيه نشيدا عربياً واحداً، كما يرى اليوم أبناء العالم الجديد لولاياتهم المتحدة الأمريكية لواءً وطنياً واحداً، ويسمعون في جميع أنحائها نشيداً قومياً واحداً!!
عيدان أظلاّ دمشق واجتمعا للدمشقيين في يوم واحد، وعلى صعيد واحد: عيدُ المولد النبويّ، وعيد المؤتمر الطبيّ، فكأنما اندمجت بذلك ولادة هذه الأمة الدينية الغابرة، بولادتها السياسية والدنيوية الحاضرة! فليس اليوم في الفيحاء إلا قلوب تخفق لذكرى ذلك النبيّ العربي العظيم الذي أحيا من هذه الأمة مواتها، وجمع بعد صدع النوى شتاتها؛ وليس فيها اليوم إلا قلوبٌ طاهرة وعقول ناضجة، تفكر في إحياء هذه الفصحى المحبوبة وإزالة بلبلتها