ولا عجب في هذا، فالحب عاطفة تشترك في تخليقها عدة غرائز من أقوى الغرائز التي يقوم بها كيان النفس الإنسانية وهي مبعث العواطف. ومن هذه الغرائز التي تخلق الحب في النفس: غريزة حفظ النوع، وغريزة السيطرة، و (غريزة العشرة) وهي أخص واعنف من غريزة الاجتماع، و (غريزة الوثنية) التي تنزع بالإنسان إلى تجسيد ما يصبو إليه وتحديده والتي تخرج به من إبهام المتجرد إلى وضوح الملموس، وهي غريزة لم تضعف إلا عند الذين يدمن إحساسهم التدريب على الاتجاه نحو معان يحبونها ويدهش لهم العالم ويتساءل: كيف يحبونها؟
وهذه الغرائز التي تخلق عاطفة الحب كل منها قوي عنيف. ونفس الفنان بطبعها أكثر طواعية للتأثر من غيرها لأنها أشد حساسية من غيرها. وإذا كانت نفس الفنان تلبي مسرعة نداء المؤثرات الخارجة عنها فأجدر بها أن تستجيب للهتاف المدوي في جنباتها. فلا غرابة إذن أن يزدهر الحب بين أهل الفن أكثر مما يزدهر بين غيرهم، ولا غرابة بعد ذلك إذا دار جانب كبير جداً من الفنون جميعاً حول الحب، فليست نفس أخرى أقرب إلى نفس الفنان من نفسه، وليس أحب إليه منها، وليس أجدر منها بالالتفات الذهني والحسي، وليس أشد منها وضوحاً لديه، وليس شيء ابعث منها على التسجيل
ولكن الذي نلحظه هو أن جانباً كبيراً جداً من فنون الحب يئن بالشكوى من هذا الحب، ويرضخ بالذل له، ويستعطفه متشفعاً إليه بالفن ذاته، كما أننا نرى في هذه الفنون المكلومة كثيراً مما يشبه علامات اليأس، وقد نرى منها قليلاً مما يشبه علامات التمرد الذي يعقب اليأس، إذ ينكر بعض الفنانين الحب إنكاراً، وإذ يسخر بعضهم من المرأة سخرية شاذة لا أصل لها في الطبيعة ولا شبيه لها في حياة الحيوان