لبثت في المتحف الإسلامي حتى سمعنا النداء فخرجنا لنشهد صلاة العصر في المسجد. فلما قضيت الصلاة طوفنا في المسجد فرأيناه في جلاله ورونقه؛ وقد تمت عمارته هذا العام بعد أن لبث عليه الترميم والبناء سنين. دعم أحد المهندسين الترك القبة العظيمة التي أمام المحراب؛ ثم تولى المهندسون المصريون تجديد معظم الأروقة، وأقيمت عمد جميلة من الرخام مقام العمد القديمة المبنية. وقد حدثت أن المهندسين عجبوا كيف احتملت هذه العمد المبنية هذا السقف الثقيل وما عليه من طين وتراب قدر وزنهما تقديراً هائلاً
والمسجد اليوم سبعة أروقة تمتد مع طوله من الشمال إلى القبلة أوسطها الرواق الأعلى الذي ينتهي إلى قبة المحراب العالية الرائعة. وكان طول المسجد، فيما سمعت، من الشرق إلى الغرب، وكان امتداده من القبلة إلى الشمال اقل مما هو اليوم. وإذا أدخلنا في مساحة المسجد مصلى النساء ومسجد عمر كان طوله كما كان من قبل، ممتداً بين الشرق والغرب. والمسجد يشبه جامع بني أمية العظيم الذي في دمشق، ولكن جامع دمشق أضخم بناء وأعلى عمداً وأحكم صنعة، وعرض مصلاه قليل وطوله مفرط. ورحم الله بني أمية لقد بقى على الدهر بناؤهم، وثبتت على رجفات الزمان آثارهم فما تزال دمشق وبيت القدس وقرطبة تشهد لهم بما شادوا وما عمروا. وما يفخر المسلمون والعرب اليوم بعمارة هي أقدم وأضخم مما شاد بنو أمية. وقد قلت في جامع دمشق:
رأيت فيه خلال القوم ماثلة ... وللبناء من البانين أقدار
ورحم الله شوقي الذي يقول:
لولا دمشق لما كانت طليطلة ... ولا زهت ببني العباس بغدان
ويقول:
بنوا أمية للأبناء ما فتحوا ... وللأحاديث ما سادوا وما دانوا
ووقفت عند المنبر الجميل الذي دق صنعه، وجمل شكله، وأخرجه صانعان من حلب طرفة من الصناعة ليس فيها مسمار؛ ولكن دقائق من الخشب متماسكة ومتعاشقة. وقرأنا عليه اسم الملك الصالح نور الدين محمود وابنه