للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أنا ٠٠٠ والموت!]

للأستاذ راجي الراعي

رأيت الموت أمس جاثماً بين القبور يتأمل ما صنعته يداه، ومنجله الدامي إلى جانبه، فجرَّ أني عليه سكونه، وأن المنجل ليس في يده، فأتيته. . . فتفرَّس في، وقلب بين جفنيه، ثم زفر قائلا:

- ما الذي جاء بك! إن ساعتك لم تأت بعد!

- ولماذا تزفر؟

- لأنك لم تقع بعد في يدي!

- ومتى أقع فيها؟

- تقع فيها يوم تبلغ حدك المرسوم، أو يوم تطلبني!

- وهل أنت تُطلب؟ أنني أتخيلك وفي يدك المنجل تطرق الأبواب وتدخل متى شئت!

- لا، لست وقحاً إلى هذا الحد. أنا لمن يبلغ المائة، وهي الحد الأخير الذي أقيم لعمر الإنسان، فإذا بلغه أقبلت عليه وأعدته إلى ترابه، ولا آتيه قبل ذلك إلا إذا دعاني!

- وكيف يدعوك؟

- يأثم ويشذ عن الصراط القويم، ويجن جنونه، فتحترق كبده، ويجف عرقه، ويتضخم قلبه. . .

إن معظم الذين يموتون يقبلون علي قبل أن أقبل عليهم، ويسوقونني إليهم سوقاً الحياة عبء عليهم، وكأنهم يستطيبونني!

- ألم تتعب بعد من الحصاد أيها الموت؟

- وهل تعبت الحيات من زرع بذورها؟

- أليس لك ساعة تموت فيها؟

- الأقوياء الخالدون يميتونني، ثم أبعث في الضعفاء حْيا

- من يشحذ منجلك؟

- حنين التراب إلى بنيه.

- كم بلغ عدد الذين قبضت عليهم حتى اليوم؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>