كتب اديب فاضل في عدد الرسالة الغراء رقم (٤٠) يقول ان السبب الأول في سقوط روايات كورني الاخيرة يرجع إلى غلو هذا الشاعر (في مبدئه الذي يعنى بتصوير الاشخاص كما يجب أن يكونوا، فجاءت شخصيات قصصه الأخيرة خارجة عن حدود المعقول)، لا إلى اضمحلال قواه الذهنية من أثر الهرم كما ذكرت في مقالي عن هذا الشاعر العظيم. وأعتقد اني محق فيما ذهبت إليه لأن كورني قال عن نفسه بعد فشل قصصه الأخيرة (شعري ذهب مع اسناني)، ولأن شخصيات قصصه الأولى الخالدة كالسيد وهوارس وسنا تعلو على الضعف الإنساني وعلى الرغم من ذلك أبلغت الشاعر قمة المجد وأكسبته لقب: كورني العظيم.
ثم قال الأديب الفاضل ان كلمات فولتير:(الشرح الوحيد لكتب كورني يجب أن يكون بكتابة هذه الكلمات في أسفل كل صحيفة! جميل. جليل. إلاهي!)، على ما جاء في كتب الآداب الفرنسية، قيلت في راسين لا في كورني. وأصر على أن فولتير الذي عرف بالبخل الشديد دفعه اعجابه بكورني إلى أن يتبنى ابنة اخته ويزودها بمهر ثم يزوجها. ولم يكفه هذا بل نشر كتبه وشرحها إمعانا في اظهار إعجابه بالشاعر الأكبر، وكتب في مقدمة شرحه تلك الكلمات. وأرجو من الأديب الفاضل ان يتفضل بإرشادي إلى كتب الأدب التي ذكرت أن فولتير قال تلك الكلمات في راسين لا في كورني وله مني وافر الشكر.
والآن نتحدث عن الدوق دي لاروشفوكو الذي شغل أذهانس الناس في عصره وأقلام الكتاب والنقاد في العصور العصور التالية. ولم يخرج هذا الرجل للناس من الآثار الأدبية غير مذكراته شأن أمثاله النبلاء الاغنياء، وكتاب صغير الحجم عنوانه:(مواعظ أو تأملات وأحكام أخلاقية) جمع فيه كل آرائه في العواطف الإنسانية، بعد أن خيبت الحياة أماله ودكت أحداث الزمن صروح أحلامه، وذهبت الحقيقة المريرة بأوهام طموحه، فجاءت هذه الآراء معتمة حزينة تلقى على عواطف الإنسان رداء من الشك الأليم وتظهرها في صورة بشعة مخوفة، وهي تتلخص في كلمتين: