فلسفة الاثرة، وهذه الفلسفة هي التي حركت الاقلام وأثارت المناقشة، وألقت باسم صاحبها إلى الاجيال في إطار الخلود.
ولا يستطيع الإنسان ان يفهم (مواعظ) هذا الكتاب إلا إذا درس حياته وعرف الحوادث التي اشترك فيها، وتركت في نفسه أثرا عميقا. وهذا السبب سيدعونا إلى الاطالة والتفصيل.
وسنقسم حياته إلى أدوار ثلاثة: دور الشاب الخيالي، ودور الرجل الطموح، ودور الشيخ الفيلسوف.
الشاب الخيالي
ولد فرانسوا السادس دوق دي لاروشفوكو بباريس (شارع بتي شان) في ١٥ سبتمبر عام ١٦١٣. وهو من أسرة عريقة لها تاريخ حربي مجيد، وتملك ثروة طائلة في (بواتو وانجوموا)، ومقام آل روشفوكو يلي مباشرة مقام أمراء البيت الملكي. وقد كتب في عام ١٦٤٨ إلى الوزير مازاران يقول:(أستطيع أن أقول وأثبت أن ملوك فرنسا منذ ثلاثمائة سنة يعاملوننا معاملة ذوي الرحم، لا يجدون في ذلك عيبا ولا بأسا) وهذا يدل على مبلغ اعتزازه بأسرته واعتداده بأرومته.
ولما حان وقت تعلمه، أخذ منه في الريف قسطا ضئيلا، إذا اتجهت عناية أهله إلى التمرينات الجسدية ليجعلوه من حملة السيف شأن أبناء النبلاء في ذلك العصر. ثم زوجوه وهو في الخامسة عشر من فتاة ولدت في حجر صالح ونشأت في خير جزيل، هي (أندريه دي فيفون). وقد قال في كبره:(يوجد زواج طيب، ولكن لا يوجد زواج عذب شهي). وما لبث بعد زواجه أن اتبع هذا الرأي قبل أن يقوله، وبحث خارج بيته عن ضرورة اللذة التي لا تهيئها العيشة الزوجية. وتناهت أخباره إلى امرأته، ولكنها صانت عفتها، ولم يتألفها العبث من نفرتها. وأنجبت له أولادا ثمانية.
ثم خاض أول معركة حربية في إيطاليا وهو في السادسة عشرة من عمره. ولما عاد منها دخل البلاط الملكي. وكان الفن السائد فيه كما قال فولتير، هو تدبير الدسائس لقهر الوزير الكبير الكادردينال ريشليو. فاستدرج هذا الفن فرانسوا ودفعه إلى أحضان النبلاء الذين كانوا يئنون من سلطان الوزير ويأتمرون به في كل حين. ورأى بعينيه سطوة الوزير