(والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر
إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون
على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه
فأولئك هم المفلحون. .).
قرآن كريم
لم تكن هجرة النبي عليه السلام إلا مرحلة من مراحل الدعوة إلى السلام، فقد دعا العرب إلى الحق والخير، بالحكمة والموعظة الحسنة، فآذوه في شخصه وأهله وصحبه، وطوى الزمن ثلاثة عشر عاماً، وهم بين مضروب ومشجوج ومعذب بالرمضاء تارة، وبالحديد والنار تارة أخرى.
واحتل المعذبون مكانهم في التاريخ، وتلألأت صفحاته بآل ياسر وبلال وخباب وزنيرة، أولئك الذين ابتلوا فصبروا، وامتحنوا فشكروا، وهل الإيمان إلا الشكر والصبر.
وإنها لكبيرة على النفس أن تحتمل من العنت والرهق ما لا تطيق، وأكبر من ذلك أن يغير عشرات الرجال وقليل من النساء معهم، مجاهل الجزيرة في سنوات: فإذا الوجه العباس يرتد يساماً ضحوكاً، والقلب المتحجر يرفض بالرحمة والرقة، والعقل البليد يتفتح لنور الحق، ويستجيب لصوت السماء.
وكان طبيعياً أن يكون الجهر بالإسلام بمثابة إعلان الثورة على جميع الأوضاع المألوفة، ولكن يؤلف عن العربي سكوته على الضيم والهوان، فكيف بهؤلاء الصفوة يفتنون في دينهم، ويستضعفون في وطنهم!
تلك المشكلة التي تتطلب الحل المعقول، وإن كان الوقت يمطلها بالتردد والتخير كالمعهود في أشباهها ونظائرها، فقد تم إعداد الحل المسعف، وسرعان ما نزل من السماء على لسان محمد، ومضى أتباعه في الطريق المستقيم.