يقول نولدكه إن حماد هو الذي اختار المعلقات، وهو في هذا يتابع ما قاله ابن النحاس في أوائل القرن الرابع الهجري، وليست بنا حاجة هنا إلى أن نعيد ما قلناه في صدد رأي ابن النحاس. وإنما نكتفي بنقد ما يستدل به نولدكه من أن حماداً أقحم قصيدة الحارث بن حلزة ممالأة منه لمواليه بني بكر، ودفعاً منه لقصيدة عمرو بن كلثوم في الافتخار بتغلب. فنولدكه يرى في هذا دليلاً على أن حماداً هو الذي اختار المعلقات. وهو دليل لعمري ضعيف. فقد كان يستطيع حماداً ألا يختار قصيدة عمرو، لو كان هو الذي اختار المعلقات. ولكنه لم يغفلها أو لم يسعه إغفالها، لأنه كان يجمع مشهورات القصائد، أي القصائد التي اختارتها العرب وفضلتها، وفيها قصيدة عمرو بن كل ثوم. وهكذا يكون دليل نولدكه دليلاً عليه لا له. وأما ما يقوله من أن الحارث بن حلزة لم يكن شاعراً مبرزاً، وأن حماداً أقحمه بين أصحاب المعلقات إقحاماً، فنحن نورد عليه اعتراضين: الأول أن ابن سلام الجمحي صاحب طبقات الشعراء يجعل عمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة وعنترة بن شداد في طبقة واحدة، هي الطبقة السادسة من طبقات الشعراء الجاهليين؛ والثاني أن الحارث بن حلزة كان زعيم قومه كما كان عمرو بن كلثوم زعيم قومه، وأن قصيدتيهما استفاضتا بين العرب له ذا السبب. وليس في الاعتراض الثاني مطعن في شعر الشاعرين، وإنما نريد به الدلالة على أن مكانة القائل تغني عن جودة القول في مجال الشهرة والذيوع.
فالحارث إذن من شعراء المعلقات أصلا. ويؤيد هذا ما يقو له نولدكه نفسه من أن ابن عبد ربه، وابن النحاس (فيما يقوله القدماء)، قد قبلا المعلقات السبع كما جاء بها حماد، ولم يبدلا فيها شيئا من شئ. ومعنى هذا أنهما لم يجدا مطعناً في جمع حمادٍ المعلقات، ولم يريا ما يراه نولدكه من أنه أقحم الحارث بن حلزة إقحاماً. وهما من رجال أوائل القرن الرابع الهجري، كما سبق ذكره؛ فهما إذن قريبا عهد بعصر حماد (المتوفى سنة ١٥٥ أو ١٥٦