ما كان لي - ولست متخصصاً في تاريخ مصر - أن أقدم للقراء كتاباً في تاريخ مصر الحديث.
واغرب من هذا أن أقدم كتاباً في تاريخ مصر الحديث للأستاذ محمد فريد أبو حديد، وهو الذي وقف حياته على دراسة التاريخ، وبخاصة تاريخ مصر، فترجم (فتح العرب لمصر) تأليف الأستاذ بتلر، وهو الكتاب الفخم الضخم، لقي في ترجمته العناء المضني، وأخرجه للقراء كأنه مؤلف عربي؛ فذكر الأصول بنصها الأصلي، وترجم الإنجليزية، فلولا ما وضع على الغلاف من أنه ترجمة ما شك القارئ أنه عربي الأصل، عربي الأسلوب، عربي التفكير.
وأخرج (ابنة المملوك)، وهي رواية تمثل عصر المماليك في مصر تصويراً دقيقاً، سلسل حوادثها تسلسلاً بديعاً، وصاغها في أسلوب شيق، ورونق أنيق.
ثم له الفصول الضافية، والمقالات الكثيرة في تاريخ مصر، وأحداث مصر، وبطولة مصر.
ما كان لي بعد هذا كله أن أقدم كتاب (السيد عمر مكرم) للقراء، وكان يكفي أن يقال إنه كتاب
في تاريخ مصر للأستاذ محمد فريد أبو حديد، ليثق القارئ به، ويقومه أحسن تقويم.
ولكن أتاح لي القدر أن أقرأ الكتاب قبل نشره وطبعه، فراقني فيه - بجانب ناحيته التاريخية - ناحيته الأدبية؛ فقد استطاع مؤلفه أن يصوغه صياغة لذيذة شائقة؟ يقرؤه القارئ فكأنه يقرا رواية ممتعة لا كتاباً علميا دقيقاً، مع أنه كتاب علمي دقيق أيضاً:
على أن في عالم التأليف روايات شائقة، بنيت على أحداث تاريخية ثابتة، ولكن عيبها أنها قيمة من ناحية الأدب، وليست بقيمة من ناحية التاريخ، فلا يعرف القارئ أي الحوادث ثابت تاريخياً وأيها من نسج الخيال، أما هذا الكتاب فقيم من ناحيتيه الأدبية والتاريخية معاً،