فليس فيه من الوقائع ما هو نسج الخيال؛ ومع ذلك استطاع المؤلف بمهارته أن يسبغ عليه متعة الرواية وإن لم يكن رواية.
اشهد لقد بدأت قراءته وفي عزمي أن أفرغ منه بعد أسبوع على أقل تقدير، وأن أخصص له كل يوم بعض الوقت ولأعمالي الأخرى بعضه؛ ولكني ما بدأت به حتى أنساني عملي، وأنساني وقتي؛ واستمررت في قراءته بلذة وشغف حتى أنهيته شاكراً غاضباً؛ فأما الشكر فلأنه هيأ لي ساعات سعيدة لذيذة صرفتها في قراءته، وأما الغضب فلأنه اختلس مني زمني، من غير جرم يستوجب الحد.
ومزية أخرى واضحة في الكتاب تظهر لكل قارئ، وهو أن المؤلف عنى أكثر ما عنى - لا بالملوك والأمراء كما فعل أكثر مؤرخينا - بل بالشعب وحركاته ونفسيته وحياته الاجتماعية وآماله الوطنية. واتخاذُه السيد عمر مكرم محوراً لكتابه أكبر دليل على هذا؛ فهو ليس ملكاً ولا أميراً، ولكنه أحد أفراد الشعب، وعظيم من عظمائهم، يشعر بشعورهم، ويأمل آمالهم، ويقصده الشعب في حوائجهم، ويرجعون إليه في خطوبهم. فاتخذه المؤلف نواة نسج حولها تاريخ مصر في هذا العصر وخاصة تاريخ الشعب وتطوراته ونظراته وآماله وآلامه.
وكان حب (فريد) لمصر، وعصبيته لكل ما هو مصري، وحسن تقديره للشعب المصري سبباً في بعض الأحيان أن يلوّن بعض الأحداث لوناً زاهياً جميلاً براقاً يعجب الأديب والشاعر والسياسي، ولست أدري إلى أي حد يعجب المؤرخ الجاف المتزمت. ولكن نحن - على كل حال - أحوج ما نكون إلى الإكثار من الكتابة في تاريخ مصر في عصورها المختلفة، ومن جوانب الرأي المختلفة؛ فكل هذا يخدم مصر ويخدم الحق ويخدم التاريخ ويخدم السياسة.
وأخيراً أهنئ أخي (فريداً) بنجاحه في هذا الكتاب، وتوفيق الله له، وأجدني مغتبطاً سعيداً بتقديمه للقراء، وأرجو أن يجدوا فيه من الفائدة واللذة ما وجدت.