جلس الصديقان يتسامران بعد العشاء، وقد انبسطت أعضاؤهما فوق الأرائك الناعمة الوثيرة، يرسلانها على هواهما، ثم يعبثان بما ينشأ عن دخان التبغ في الفضاء من منعرجات وأشكال. . .
وتلك ساعة حلوة عذبة، تنشرح لها الصدور، وتشرق فيها الوجوه، وتنطلق فيها الألسن بالكلام، وتجيش فيها القلوب بنوازي الحياة وشتى العواطف والأهواء، وكلها تنزع إلى الظهور والإفصاح، وتطلب السفور والإعلان من غير التواء ولا تحجب. وكان ضوء المصباح نحيلا شاحباً، يضطرب كالمحتضر على جدران الغرفة الرحبة، ثم لا يكاد يبين ما يزينها: من طنافس مزركشة وأسلحة مفضضة. إنما يبرز إلى النصف بين الظلال الفاحمة رسم امرأة فتية قد اتخذت وضعاً مائلا نحو الأمام كأنما هي تتسمع صاغية، وضاحة المحيا، صبوحة الوجه في عينين زاهيتين، وفم مطبق مرهوب تطفو عليه ابتسامة حيرى ذات معان!! وكان الكرسي الصغير والنعال الدقيق المبعثرة ههنا وههنا توحي للخاطر بوجود طفل وليد في الدار، ومن الغرفة المجاورة كانت تنبعث الحين بعد الحين أنغام شجية، وموسيقى متسقة منسجمة، إذ تهدهد الأم الرؤوم فتاها كي ينام. فيمتلئ الجو بالنشيد روعة وجمالاً، ويشيع فيه عبير اللذة والهناء، فيصيح الشاعر مهتاجاً:(لك الحق يا أخي أن تتزوج وأن تنعم بالزواج، فليست سبل السعادة كثيرة متشعبة. إنها هنا على مقربة منا. . . بربك التمس لي فتاة أتزوجها!)
المصور - أنا ألتمس لك فتاة؟! تالله لن أخوض غمار ذلك أبداً
الشاعر - ولماذا؟
المصور - تسألني لماذا؟ فاعلم أن أصحاب الفن ما ينبغي أن يتزوجوا، وما ينبغي أن يكون لهم في الحياة شركاء
الشاعر - يا للعجب! تقول ذلك ولا تخشى أن يغور نور المصباح وتنقض على رأسك الجدران. إن حياتك الزوجية نصب مائل للسعادة المنشودة والنعيم المقيم! ومثلك فيما تزعم