هذه بروسة الجميلة تشرف العين على سهلها المشجر، تلوح سقوفها المسنّمة من خلال أشجارها منثورة في سفح الجبل وحضيضه. وهذا (يشيل جامع) الذي شاده السلطان العظيم (مجدّد الدولة) محمد بن بايزيد، وهو الذي اختاره القدر، بعد أن تقسمت اخوته الخطوب، ليجمع شتات الدولة بعد أن انفرط عقدها في موقعة أنقرة، وثوت الصاعقة رهن المحبس والقيد وبعد أن تنازع أشبال بايزيد ميراث أبيهم، وتمادى بهم الخلاف بضعة عشر عاماً. لقد قدر لمحمد أن يستأنف المسير في سبيل المجد الذي سلكه آباؤه. أين محمد ومجد محمد؟ تجيبك هذه القبة الخضراء وراء المسجد. فهناك رفات السلطان وبعض أبنائه.
وانظر إلى اليمن فهذا المسجد المشرف بين الأشجار على السفح، والذي يحاول السرو الباسق حوله أن يطاول منارتيه، هو مسجد الأمير محمد البخاري وهذه قبة ضريحه. وكم تحت هذه الأشجار من قبور عاذت بقبر هذا الرجل الصالح. ولله هذا الرجل العظيم، فما ينسى له التاريخ صرامته في الحق، ومجابهة السلطان بالنصح واللوم.
كان السلطان بايزيد يتهم بالخمر، فلما بنى مسجده الكبير دعا الأمير البخاري ليراه، وبيناهما يقلبان النظر في المسجد قال السلطان للشيخ: ما ترى في هذا المسجد العظيم؟ قال: حسن، ولكن لابد أن تقام في كل زاوية من زواياه حانة ليأتي السلطان إليه!
وأرى ذات اليمين جامع بايزيد تلوح قبتاه ومنارته، وبجانبه قبة تحنو على قبر السلطان العظيم. سطور من الخطوب والعبر لا تجد العين منها مهرباً.
ألا ترى إلى اليسار (أدلو جامع) ذا العشرين قبة؟ هذه قبته الكبيرة التي تنفذ الأضواء منها إلى الحوض الكبير، فيسيل عليه النور في ماء النافورة المنبجس ليل نهار؛ وكأن خريرها دعوة إلى الصلاة لا تفتر، وتسبيح مع المسبحين لا يصمت. وماذا على جدران هذا المسجد من بدائع الخط وسطور الجمال؟ لقد افتن الكتاب على مر العصور في تزيينها بكل آية من الخط الجميل، وإنها لحجة قائمة على الذين يريدون هجر الخط العربي إلى الكتابة اللاتينية. وكلما أدرت عيني في هذا المسرح الرائع عادت إلى هاتين المنارتين البيضاويتين المشرفتين على الجامع كأنهما شمعتان. وكل مآذن بروسة تشبه الشمعات، وما