المعارك أثناء الحروب والحملات الصليبية التي كانت تهبط دائماً على الشواطئ المصرية، في الإسكندرية ودمياط، ثم في يافا وعسقلان وعكا، وقد كانت يومئذ ثغوراً مصرية. وتاريخ مصر الإسلامية حافل بهذه الصفحات المجيدة من تاريخنا البحري.
أما عن الملاحة التجارية فقد كانت مصر إلى جانب البندقية تتبوأ مركز الزعامة والسيادة في البحر الأبيض المتوسط، وكانت البندقية تسيطر على الطرق الشمالية والشرقية إلى ثغور المرمرة والبحر إلاسود، بينما كانت مصر تسيطر على الطرق الجنوبية، والجنوبية الشرقية؛ وكانت العلائق بين الثغور المصرية، والثغور الإيطالية ولاسيما البندقية وبارى ونابل وجنوه في منتهى الانتظام، وكانت المعاهدات التجارية والبحرية تعقد بين مصر والدول الإيطالية في كل العصور والدول. ولم تفقد مصر أهميتها البحرية والتجارية إلا بعد اكتشاف طريق الهند في أواخر القرن الخامس عشر، ثم الفتح العثماني الذي انتهى بالقضاء على جميع قواها ومواردها وحضارتها الزاهرة.
وفي عصر محمد علي استعادت مصر شيئاً من نشاطها البحري، فأنشئ الأسطول المصري، واستأنف البحارة المصريون جهادهم المجيد في المياه اليونانية. ولكن أوربا النصرانية لم تشأ أن تعود مصر الإسلامية فتساهم بقسط في السيادة البحرية في شرق البحر الأبيض، فائتمرت بالأسطول المصري فحطموه في (نافارين)؛ وكان محمد علي أكثر عناية بإنشاء السفن الحربية، فلم تتقدم الملاحة التجارية يومئذ تقدماً يذكر. وكان القضاء على الأسطول المصري في نافارين خاتمة عصر قصير من الإحياء البحري.
وهاهي ذي مصر تستأنف اليوم بعد مائة عام أخرى، نشاطها البحري؛ وتعود البواخر المصرية، فتشق لجة البحر الأبيض جيئة وذهاباً. والفضل في ذلك يرجع إلى نشاط ذلك الصرح القومي العزيز - بنك مص -؛ وهاهي (النيل) تعود فتحمل علم مصر الإسلامية خفاقاً في ذلك العباب الذي بقيت السفن المصرية قروناً تمتطي صهوته، وتجوس خلاله في عزة وفخار.
إن مصر تستأنف نشاطها البحري في ميدان السلم، لا في ميدان الحرب؛ وليس غريباً أن يكون لها بواخر تشق العباب، ولكن الغريب أن لا يكون لها بواخر، وثغورها محط البواخر الأجنبية من أقاصي العالم. . . .