أليس غريباً هذا العنوان؟ أو ليس فيه إشارة لطيفة إلى تقصير أدبائنا؟ هنري تويل أديب فرنسي أقام في مصر ردحاً من الزمن حتى جعلها في أشعاره وطنه الثاني. وقد هام بجمال مصر وتقاليدها، وسجّل كثيراً من أعيادها القومية والدينية، ووصف كثيراً من شوارعها وجوامعها الأثرية أبرع وصف. وله ديوان مطبوع باسم (شرق وأدب) حوى الكثير من الأسرار الساحرة في مصر، أحس بها هو ولم نحس بها نحن! ولست هنا في صدد تعريف هذا الشاعر الثائر أو تحليله، وإنما قصدت أن أنقل إلى القرّاء (الرسالة) جزءاً نم قطعة له كتبها سنة ١٩٢٣ وعلى أثر جولة جالها ليلاً بشارع الموسكي في مولد سيّدنا الحسين - قال:
(. . . وعلى جانبي الجامع كانت الأنوار المنبعثة من دكاكين الحلوى تشع في الليل المتأخر فتجعل منه ظهراً. وكانت هذه الحوانيت متقاربة متلاصقة: اتصل بعضها ببعض اتصالاً لا تقطعه ثغرة، حتى لا ترى من مجموعها سوى نضد واحد ممتد. وقد غطيت كلّها بأنواع شتّى من الحلوى: فمنها (الحمصية) وهي حلاوة رصعت بالحمّص، و (السمسمية) وهي مثلها إلا أنها بالسمسم - وهذه كثيراً ما يتهافت عليها صغار التلاميذ في الأيام العادية، فيقبلون على شرائها من الباعة المتجوّلين كل يوم منجذبين إليها بلذاذة طعمها وبجمال النداءات ذات النغمة الساحرة التي يغنّيها الباعة، مع الملبن الملفوف حول خيوط رفيعة. . . ثم (الجوزية) وهي نوع تتلاشى أمامه (النوجا) الفرنسية وتحسدها عليه مدينة مونتلمار. . . يلي ذلك صفوف طويلة من (العرائس) تكاد تتشابك أذرعتها فتخالها في مجموعها كأنها في موكب!
عرائس جذّابة، عذارى نم الحلوى! أبكار توشك أن تزف إلى عرسها قد صبوها صباً من السكر المذاب! وقد صبغوا لهن. . . خدودهن الصغيرة بشيء من (الأحمر. . .)، وكحّلوا عيونهن بالكحل الشرقي الساحر، ثم ألبسوهن فساتين ساذجة لوّنت بألوان زاهية من أصباغ اليمن. وأما الشعر فقد رصع بأنواع برّاقة من الخرز الفضّي الملوّن، وحجاب رقيق من الشاش المهلهل النسج زيّن أيضاً بفتائل من القصب الوهّاج، وأشرطة من الورق المذهّب،