لهذه البحوث جانب علمي وجانب ديني. أما الجانب الديني فقتله بحثا جهابذة من المصريين، وأما الجانب العلمي فأمنية هذا القلم الضعيف أن يبسط ما تم منه، ويتتبع عن كثب ما يستجد فيه، ومن وراء هذا القلم نفس تتمنى لو أن بمصر معهدا لهذه البحوث، فلعل الأماني تحققها الأيام.
وللبحوث الروحية أيضا جانب تاريخي، إذ الظاهر الروحية لم يخل منها عصر من العصور، عرفها سقراط، وأندفعت بتأثيرها جان دارك، ومارسها الكهنة والسحرة، دع جانبا وحي الأنبياء ومعجزاتهم، وكرامات الأولياء، وما أدى ويؤدي إليه التصوف. ليست الظواهر الروحية بمكتشف جديد، وإنما الجدي هو أن يفلحها العلم الحديث بمحراثه التجريبي البطيء الأكيد.
هل الحياة بعد الموت إحدى الحقائق الكونية، أم كل ما يقال عنها توهم وإيهام؟ وإذا كانت تلك الحياة حقيقة واقعة فما القوانين الطبيعية التي تربطها بهذه الحياة؟ وما العلاقة بين الجسم المادي الذي نعيش به هنا والجسم الروحي الذي نعيش به بعد الممات؟ وكيف ينشأ وينسلخ هذا من ذاك؟ سيخيل إلى القارئ أن المبحث عبث، والمطلب مستحيل، ولكن عددا من رجال العلم قد أوغلوا في هذه السبيل، ووصلوا إلى نتائج حاسمة، ونبشوا في صخرة الموت الصماء ثغرة يضع انفه فيها كل يوم باحث جديد، وقد تتسع يوما ما لكل الأنوف.
الجسم البشري يتألف من كهاب سالبة وموجبة، والتمثال الحجري يتألف من نفس تلك الكهارب. ولكن الجسم البشري يحس ويتصور ويتذكر ويفكر ويريد. فما السر في أن كهارب الجسم البشري حية عاقلة، وكهارب التمثال ميتة خاملة؟
هناك رأيان. أحدهما أن ظواهر الحياة في الجسم الحي ليست سوى نتائج طبيعية لترتيب كهاربه على نسق خاص، أو هي، بصيغة أخرى، نتائج آلية لتركيب الكيميائي. ذلك أن المادة بمفردها تكون ذات خواص معينة، فإذا اتحدت بمادة أخرى نتج مركب تختلف خواصه عن خواص المادتين اختلافا بيناً.
فالأيدروجين مثلا غاز خفيف، تصعب اسلته، والأوكسجين غاز يتوهج فيه القبس المتقد،