نريد أن نتحدث عن أبي الطيب، ولكن هل غادر المتحدثون عنه من متردم؟ ماذا نقول في شاعر ملأ الدنيا وشغل الناس من متقدمين ومتأخرين، بله المعاصرين، من بين مادح وقادح، ونقد وشارح، حتى كان من ازدحام أولئك الأعلام حول هذا المنهل أن ازدهرت خزانة الأدب بعشرات الأسفار، فهل من جديد نقوله؟ هذا ما جال في خاطري عندما تلقيت دعوة لجنة المهرجان المحترمة.
على أنه لابد من القول، فلابد من اختيار ناحية من نواحي شاعرنا والتحدث عنها، فإن وفقت إلى جديد فهو الهدف، وإلا فقد أبلغت عذراً. لا خلاف في أن أبرز نواحي أبي الطيب وأبرعها جمالاً وأروعها جلالاً هي العظمة؛ وقد صورها لنا بشعره أبرع تصوير وأروعه، وقد فخر في ذلك ما شاء وشاءت عبقريته، فليكن موضوعنا إذن:(الفخر في شعر أبي الطيب).
والفخر في شعر هذا الناقم الثائر جذوة من نفه ونفحة من روحه، بل هو ترجمان طموحه، أو قل هو ذوب نفسه الكبيرة، تارة يتألف قولاً وطوراً يتمثل فعلاً.
ومن ثم جاء هذا الضرب من شعر شاعرنا مطبوعاً بطابعه الخاص، بعيداً من التكلف والتعسف، بريئاً من كثير من العاهات التي علقت بغيره من شعر أبي الطيب، ولا يدانيه في ذلك إلا الوصف، ووصف المعارك خاصة، وكل ما يتصل بالرجولة والبطولة.
ويرى المخلفون الرعاديد أن الفخر ضرب من ضروب العجرفة الفارغة والجبروت الكاذب، وتلك خديعة طباعهم الخاملة، وسجية نفوسهم الخانعة المستخذية التي تستمرئ الهون، وتقنع بالدون. أما النفوس المجبولة من طينة الشرف فتأبى إلا مساماة النجوم ومغالبة الخصوم، ذلك لأن الله برأها حرة فلا تلين للذلة، ولا تدين بالقلة، والعربي مجبول على الأباء والأنفة، مفطور على العزة وسمو الهمة والطموح إلى معالي الأمور.
وبهذه السجايا أحرز ما أحرز في ماضي الزمان من عظمة الشأن وبسطة السلطان.
وقد افتخر سيد ولد آدم عليه السلام في غير ما موقف، وهو القائل في بعض مواقفه