الحياة جميلة، وما يشوّه جمالها غير هذا الحيوان المسمى بالإنسان! لم يعش فيها كما تعيش سائر الأنواع على رسم الفطرة وهدى الطبيعة ووحي الله، وإنما عاش على قوانين من وضعه استمدها من أثرته وكبريائه وهواه فكان شرّاً على نفسه وحرباً على غيره
ربما اقتتل الوحش والوحش أو الطير والطير في سبيل القوت أو النسل؛ ولكنه اقتتال الساعة لا يسبقه تدبير ولا يصحبه حقد ولا تلحقه جريرة. أما الإنسان فهو وحده كدر السلام وقذى الحياة! أحيا لنفسه بفضل ذاكرته ماضياً يحفظ الثأر، وخلق لنفسه بفضل بصيرته مستقبلاً يحمل الخوف، فكان حاضره بينهما قتالاً مستحِراً لا ينقطع ولا يفتر، إما دركاً لثأر الأمس الذي يتذكره، وإما كسباً لقوت اليوم الذي يتبصره، وإما درءاً لخوف الغد يتصوره
الحياة جميلة، وأجمل منها الحي الذي يدرك هذا الجمال ويتذوقه ويستوعبه ويكتسيه. فالطائر أجمل من الروض لأنه عرف كيف ينقل ألوانه على ريشه، ويجمع ألحانه في صوته. والأسد أجمل من الغابة لأنه استطاع أن يجعل رهبتها حية في رهبته، وعظمتها ماثلة في عظمته. والجمل أجمل من الصحراء لأنه أندمج فيها فسير جبلها في هيكله. وصور رملها على أديمه. والحوت أجمل من البحر لأنه قطعة من الحياة صيغت من لين مائه وشدة موجه وسرعة تياره. وكأنما يدرك الطبيعة ويسايرها ويتأثر بها كل شيء من ناطق وصامت إلا هذا الإنسان، فقد خرج عن سنة الله في خلقه حتى اختصه بالأنبياء والرسل والمدارس والكتب! وهيهات أن يدخل النور عين الضرير، ويبلغ الصوت أذن الأصم!
الحياة جميلة؛ وليس جمالها قصراً على قوم دون قوم، ولا على طبقة دون طبقة. إنما الجمال وضاءة الفن الإلهي أشاعه الله في الأرض والسماء وهيأ المدارك للاستغراق فيه والاستمتاع به. فمن كان ذا سمع وبصر وقلب وجده في كل منظر وأحسه في كل حالة. فهؤلاء الذين يمرون عليه وهم معرضون عنه قد فسدت فيهم طبيعة الحياة، وتلبدت فيهم ملكة الحس، فانقطع ما بينهم وبين الوجود الحق والوجدان الصحيح
إن الجمال وسيلة الطبيعة لحفظ الحياة وبقاء النوع، تجمع به ما شت، وتؤلف به ما نفر. وهو بعد ذلك سرور النفس ونور القلب وسلام الروح؛ فمن تملاه في صوره الحسية والمعنوية في الكون كان له منه في كل زمان شباب وفي كل مكان ربيع