الحياة جميلة، ومظهر الشعور بجمالها المرح والبهجة. فأينما تر الخمود والكآبة تر الشعور الذي أدركه الكلال أو أصدأه القبح أو أفسده الشر، فيموت فيه الوعي، أو ينعكس فيه الجمال، أو ينقلب فيه الخير. فالجمال في الطبيعة لابد أن يجاوبه جمال في النفس؛ والصفاء في العيش لابد أن يعادله صفاء في القلب. ومن هنا استسر الجمال والصفو على ذوي الحس المظلم والضمير الخامد
كن جميلاً تر الجمال في كل شيء حتى في الدمامة. ومتى امتلأت قواك المدركة بمفاتنه ومباهجه حَلِي الوجود في صدرك، وساغ المر في فمك، وسعيت إلى مجالي الجمال في النيل والجزيرة والريف فشدوت مع الطير، وطرت مع الفراش، وسبحت مع السمك، واستطعت أن تطاول الأغنياء في العز وتشآهم في الغبطة، وتقول لهم: إن السعادة بالجمال أضعاف السعادة بالمال؛ والمال لكم فجدواه عليكم، ولكن الجمال لله فجدواه على الناس
الحياة جميلة، وأنت يا ابن الحياة وارث هذا الجمال. فلِم تزوي عنه وجهك وترسل عينيك بالحسد والحقد إلى المترفين الخافضين وهم يتلهون بالقنص، أو يتزحلقون على الجليد، أو يتمتعون بالسياحة؟ إن في القاهرة وضواحيها من الجمال المبذول والنعيم المشاع ما يكفكف ثورتك على الغني، ويلطف سخطك على الحياة. هذا هو النيل الجميل يجري بين ضفافه السحر، ويخطر على سواحله الفتون؛ فمن الذي يمنع جمهرة الشعب أن تداعب أمواجه بالمجاديف، وتشق عبابه بالزوارق، وتقيم على شاطئيه مهرجانات السباق ومسارح اللهو؟ إنك لتمر على النيل في أي ساعة شئت من النهار أو الليل فتحسبه من السكون المخيم على شاطئه ومائه يجري في مجاهل الأرض. ولولا أن عليه جسوراً لا مناص من عبورها إلى الشاطئ الغربي لما ذكره القاهريون إلا كما يذكرون المقطم!
إن حياة الكسل والرخاوة والخمود والانقباض التي نحياها ألقت من ظلالها الباردة على النيل والجزيرة، فجعلت النيل في ركود المستنقع، والحدائق في سكون المقبرة ولذلك ترى الناس يمشون على جنباته أو بين جناته مطرقين صامتين كأنهم في مجال التأمل أو في مقام العبرة!
الحياة جميلة، ولكن جمالها يقتضي أن يكون لنا زعماء اللهو يصححون إدراكنا للحياة، ويرهفون أذواقنا للجمال، ويهيئون قلوبنا للسرور، ويشغلون أوقات فراغنا بالمسابقات