لم تكن الحقول غبراء، ولا السماء كدراء حين أقبل يقضي ذمام هذه الربوع التي سال في ثراها قلبه الجريح المثخن وإنما كان ضوء النهار يتألق في أفق لازوردي غير محدود، ويتدفق على بساط من أديم الأرض ممدود. وكانت النسائم عابقة بالعطور، والمروج حافلة بالخضرة والزهور.
وكان الخريف طلق الجوانب، والسماء مذهبة الحواشي، والربى حانية الخمائل المونقة على السهل وقد ضربت في خضرتها صفرة قليلة.
والطيور هاتفة بأغاريدها الشجية القدسية ووجوها إلى الله الذي ينم عليه كل كائن، ويسبح بحمده كل شيء، كأنما كانت تقول له شيئا عن الإنسان!!
أراد الولهان أن يرى كل شيء: يرى الغدير الطامي الذي يصطفق بجانب العين، والطلل البالي الذي استنفد ما في كيسيهما بالصدقة، وسرحة الدردار العتيقة المعوجة وخلوات الحب في أجواف الغاب المترامية، والشجرة التي استغرقا تحتها في القبلات فذهلا عن كل شيء.
بحث عن الحديقة والبيت المنعزل والبستان الحادر، والدرابزون الذي يغيب البصر من خلاله في ممشى منحرف. وكان يمشي متكسر الوجه من الحزن، شاحب اللون كثير الهم فيرى وا أسفاه لدى كل شجرة شبح الأيام الخوالي يقوم منتصبا على وقع خطاه المتئدة الثقيلة!.
تجول طول النهار على طول المسيل وقد ملك إعجابه وجه السماء الضاحك، ومرآة البحيرة المصقولة.
ثم قيد بصره ما راعه من صور الطبيعة في الحقول، فتأملها مليا ثم ذهب مع أحلامه حتى المساء.
تجول طيلة النهار ذاكراً والهفي عليه مخاطره اللذيذة ناظرا من أعالي السوج دون أن