يجرؤ على الولوج كأنه صعلوك من صعاليك الهند.
فلما آذنت الشمس بالمغيب أحس في صدره وحشة القبر وفي قلبه لوعة الهم، فجأر بالشكوى وهتف بالنجوى يقول:
أيها الألم! لقد أردت أنا المشترك الخاطر المسعور الفؤاد أن أعلم هل الإناء لا يزال محتفظا بالسائل؟ وان أرى ماذا فعل هذا الوادي السعيد بما خلفت فيه من قلبي؟.
ما اقدر الزمن اليسير على أن يغير كل شيء!
ايه أيتها الطبيعة ذات الوجه الضاحك والجبين الأغر! ما أسرع ما تنسين! وما أشد ما تقطعين العلائق الخفية التي تربط قلوبنا بكثرة استحالاتك وتغير حالاتك!.
أن غرفنا التي اتخذناها من ورق الشجر الألف قد تهدمت.
والشجرة التي حفرنا عليها اسمينا قد ماتت أو تحطمت.
وورودنا النابتة في الحظيرة قد عبثت بها أيدي الأطفال الذين يقفزون فوق الحفرة!
والعين التي كانت تشرب منها ساعة القيظ وهي هابطة من الغاب قد قام على موردها جدار!!
لله ما كان اجمل يدها حين كانت تغترف بها الماء ثم تدعه يتساقط من خلال أصابعها كنثير اللؤلؤ الرطب!!
لقد رصفوا الطريق الغليظ الوعر الذي كنا نسير فيه جنبا إلى جنب فترتسم على رمله النقي قدمانا، ويكون أثر قدمك الرقيقة الأنيقة بجانب قدمي سخرية حسناء، وضحكة استهزاء!!
والحاجز الحجري الذي قام على حد الطريق حقبة طويلة ذلك الحاجز الذي كان يحلو لها أن تجلس فوقه في انتظاري قد هد ركنه اصطدام العجلات الموقرة بالأعباء، وهي آيبة تئن في المساء!!
والغابة أصبحت حطاما هنا وبسقت أدواحها هناك! ولم يكد يبقى من كل ما حللناه وتقمصناه شيء حي!
وأكداس الذكريات تبددها الرياح الأربع ككومة من التراب الخامد البارد قد ألوت بها الريح الدبور!!