للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أدين قتال هو؟]

للأستاذ عباس محمود العقاد

من المطاعن التي وجهها أعداء الإسلام إليه أنه دين سيف وليس بدين إقناع: يريدون بذلك أنه لا يقنع الأمم التي دعيت إليه لولا الغزو والإكراه بقوة السلاح

ولتمحيص هذا القول الذي يقال ويعاد في كل زمان نقرر هنا بعض الحقائق التي يسلمها المنصف ولا ينكرها إلا المكابر، لنثبت أن الإسلام شأنه في استخدام القوة كشأن كل دين، وأنه ما كان لينتصر بالقوة لو لم يكن إلى جانب ذلك صالحاً للانتصار

(فالحقيقة الأولى) أن هذا المطعن لو صدق لوجب أن يصدق في بداية عهد الإسلام الذي دان فيه بهذا الدين كثير من العرب المشركين ولولاهم لما كان له جند وى حمل في سبيله سلاح

لكن الواقع أن الإسلام في بداية عهده كان هو المعتدَى عليه ولم يكن من قبله اعتداء على أحد، وظل كذلك حتى بعد تلبية الدعوة المحمدية واجتماع القوم حول النبي عليه السلام، فإنهم كانوا يقاتلون من قاتلهم ولا يزيدون على ذلك: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)

وكانوا يحاربون من لا يؤمن عهده ولا يتقي شره بالحلف والمسالمة: (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون)

وقد صبر المسلمون على المشركين حتى أمروا أن يقاتلوهم كافة كما يقاتلون المسلمين كافة؛ فلم يكن منهم قط عدوان ولا إكراه

وحروب النبي عليه السلام كلها حروب دفاع، ولم تكن منها حروب هجوم إلا على سبيل المبادرة بالدفاع بعد الإيقان من نكث العهد والإصرار على القتال، وتستوي في ذلك حروبه مع قريش وحروبه مع اليهود أو مع الروم

(والحقيقة الثانية) أن الإسلام إنما يعاب عليه أن يحارب بالسيف فكرة يمكن أن تحارب بالبرهان والإقناع

ولكن لا يعاب عليه أن يحارب بالسيف (سلطة) تقف في طريقه وتحول بينه وبين أسماع المستعدين للإصغاء إليه

<<  <  ج:
ص:  >  >>