[من أبلغ ما قيل في تكريم مؤلف العباسة:]
ذكريات. . .
للأستاذ كامل كيلاني
كنا نسمر - أيها السادة - في حلوان - ذات ليلة - مع الصديق الكريم (جمال الدين أباظة بك) رضى الله عنه، في دار شاعرنا (عزيز باشا) أعز الله به دولة الأدب، قبيل نشوب هذه الحرب العالمية الطاحنة لا أعاد الله مثلها، على عالمنا الأرضي المنكوب.
ولم يكد يستقر بنا المقام حتى لمحنا أجزاء من كتاب الأغاني، على مكتب شاعرنا الموهوب.
فالتفت إلى صديقي جمال بك، وقلت له: أليس من العجيب أن الإنسان لا يكاد يفتح صفحة من صفحات هذه الكنوز الأدبية الخالدة، إلا وقعت عينه على درة من عيون البيان العالي تملأ نفسه روعة وسحراً!).
قلت هذا - أيها السادة - وأنا قليل الثقة بتوفقي إلى مفاجأته بجدية من روائع هذا الكتاب!
فما أكاد أعرف في كل من عرفت من أدبائنا المعاصرين أوسع منه إطلاعا على الأدب العربي: شعراً ونثراً، وقد كدت أقل: (والأدب الفرنسي) لولا فرط حرص على اصطناع الدقة وإسراف بالغ في توخي القصد والاعتدال حتى لا يقال: ولكن من أحب الشيء حابى
وهو - أعني جمال الدين - لقوة حافظته وسعة محفوظه، يكاد يستوعب الصفوة المختارة من طرائف الأدب العربي، لا سيما كتب الأغاني فهماً ودراية، وحفظاً ورواية.
وربما ذكرت له الطرفة المستملحة الغريبة فإذا به - لتثبته من حفظها وروايتها - أسبق من قارئها إلى تلاوتها.
ففتحت كتاب الأغاني - أيها السادة - لأقرأ - لصديقي جمال - أول ما تقع عليه عيناي.
فإذا بيتان من شعر قيس: شاعر الحب الخالد يتألقان في صفحة الكتب كما يتألق القمر في صفحة السماء، ليلة البدر أو ليلة السواء.
واليكم البيتين أو على الأصح إليكم الدرتين:
بكيت. نعم بكيت. وكل إلف ... إذا بانت أليفته بكاها
وما كان التباعد عن تقالً ... ولكنِ شقْوَةٌ بلغت مداها