ولتقديس الفرس النور بنوا بيوت النيران وعبدوها حتى قبل ظهور زرادشت أول حكيم يعيه التاريخ من حكمائهم، وسنتحدث به وبمذاهبه إجمالا إن شاء الله فيما سيلي، ونحن حقيقون قبل الكلام في مذهبه إن نقف هنا لنعلق على العرض السابق لما كان قبل زرداتش بما يمكن أن نفهم منه، وينبغي ألا نقف عند هذه العناوين التي تبدو لنا في الآراء المجوسية قبله بل تنطق إلى ما رواءها، وإلا كنا كالعوام وأشباهم ممن يقفون عند الظواهر دون التعمق إلى البواطن.
ينبغي أن نفهم من عرض ما قدمنا أن الفرس منذ القدم وحين نزعوا هذا المنزع كانوا أولا عشاقاً للطبيعة، وكانوا يؤمنون بتضاد الأشياء وتعاقبها، ورمزو لذلك بأشد ضدين بروزاً وتعاقباً في كل ما رأوا وهما النور والظلمة، فهذان الضدان أبرز من كل ضدين في الكون، وتعاقبهما أوضح من تعاقب كل ضدين، فهم لم يحاولوا التهجم على عالم الغيب المستور الذي لا تنزع عقولهم - وهم عشاق الطبيعة ومظاهرها المحسوسة إلى الضرب في آفاقه الغامضة، والاهتداء إلى مضامينه المستورة، ومن أجل ذلك نفضل ألا نسمي آثار المجوسية ديانة بل فلسفة لأنها نزعة عقلية بل نزعة فنية شعرية تعبر عن عشق مفرط للطبيعة واستجابة لآثارها وإعجاب بها وطرب لها عن فهم حيناً وعن غير فهم أحياناً، وهذا هو الأليق بالعقلية الفارسية الآرية