للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين الشرق والغرب]

قمر مصر. . .

في سماء باريس

للأستاذ راشد رستم

صديقي. . .

لقد عدتَ يا صديقي إلى مصر بعد أن أكملت في الغرب دراستك، وها أنت ذا اليوم من آحاد الوطن الذين بهم يستبشر، ومنهم الخير ينتظر.

ولقد أديت لك ما طلبت مني - فتزودت لك بما شئت من النظرات، ومررت على ما سألتني أن أمر عليه من المشاهد، وجست خلال ديار أردت مني أن أذكرك فيها، كما أني وصلت لك ما أنقطع برحيلك مع من كان بينك وبينهم مودة. . .

ولعل فيما قمت لك به من الرغبات ما يخفف عني ما أنت فيه الآن، كما تقول، من (وحشة المكان وغرابة السكان). . .

أليس غريباً حقاً أن يعود الوطن مكاناً للوحشة وأن يصير أهله موضعاً للغرابة!.

لا تحزن يا صديقي على عودتك من هنا (هكذا سريعاً) كما تقول، مع أنك مكثت فينا خمس سنوات كاملات! وأنك خلفتنا هنا بعدك (نستمتع بحياة الغرب الهنية طويلاً، ونرشف من بحرها الطامي كثيراً وكثيراً). . .

تأكد يقيناً أنك السابق في رحلتك، وأنك الفائز في عودتك، أما نحن فسنتحمل الغربة زماناً آخر، إلى أن نلحق بك لنجتمع كما كنا نجتمع، ونلتقي مثلما تلاقينا، ونلهو ونعمل كما كنا نلهو ونعمل، ولا تحسبن للفوارق التي بيننا وبينك الآن حساباً، فقد يستمتع المرء بالقليل كثيراص، ويلهو بالكثير قليلاً. . .

أتظن يا صديقي أنه في الإمكان أن يبقى هنا كل من يجيء إلى هنا؟ أم أن له أن يبقى ليكون عليه أن يعود!. . .

إن الأوطان تنتظر أبناءها. . .

(وهذه مصر أم الدنيا، ولعل الذين يقولون عنها ذلك هم الذين لم يروا غيرها. أو لعلهم هم

<<  <  ج:
ص:  >  >>