أعمالهم في السلم: التشكيك في الدين، محاولة فتنة المؤمنين، تحريف كتابهم إذا كان فيه ما ينفع المؤمنين، محاولة التفريق بين الأوس والخزرج.
قدمنا في المقال السابق كيف اضطر الرسول الكريم إلى الهجرة من مكة إلى المدينة، وكيف يسر الله له أسباب هذه الهجرة الشريفة بدخول كثير من أهل المدينة، وبخاصة أشرافها، في دين الله، فكانوا عزاً للإسلام، ولمن هاجر إليهم من مسلمي مكة، وعندهم استراح المسلمون المهاجرون من أذى قريش، وتهيأت لهم الفرصة في يثرب ليقتصوا من الذين أخرجوهم من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله. واستمر النضال بين المسلمين ومن تخلف عن الدين الجديد إلى أن ظهر الإسلام في جزيرة العرب على الدين كله.
ولكن انتصار المسلمين على قريش خاصة وعلى بقية المشركين عامة، لم يكن أمراً سهلاً؛ فقد كان العدو الخارجي قوياً، وكانت جماعة الطابور الخامس في المدينة وما حولها خطراً شديداً، إذ كانت تخفي عداوتها وتبدي مودتها وتتربص بالمؤمنين الدوائر وتعين عليهم إن سرا وإن جهرا كل من يغير على المدينة أو يريد بالإسلام سوءاً.
ولما كان عدد المسلمين كثيراً بالمدينة، وكان النبي الكريم أكبر عامل في حياة يثرب، وله الرأي الأعلى في إدارتها وحربها وسلمها ونظامها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، كان لا بد من استخفاء جماعة الطابور الخامس في المدينة، وكان لا بد لها من إظهار الإسلام، أو الارتباط بالرسول بعهود وثيقة أن تنصره وتشد أزره ولا تعين عليه مغيراً، حتى تسنح الفرصة لإظهار الكفر أو لتقض العهد، وحينئذ تسارع هذه الجماعة في الكفر وتخلف النبي ما وعدته.
وأهم طوائف هذه الجماعة - جماعة الطابور الخامس - هم أهل الكتاب والمنافقون من