للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[هل المسيحية في ازدهار؟]

للأستاذ الكبير الفاسي

هذا السؤال إذا اكتفينا في الجواب عنه بقبول ما يرد علينا في الإحصائيات على عواهنة، أجبنا عنه بالإيجاد، لأن الإحصائيات تزعم أن عدد المسيحيين في اطراد. على أنها تعتبر سكان أوربا كلهم مسيحيين كما تعتبر سكان أمريكا - جنوبا وشمالا كذلك مسيحيين. والإحصائيات لها منطوق ومفهوم وظاهر وباطن، ومن شأنها تصليح دليلا للمثبت ما دام لا ينفيها ناف يريد أن يثبت خلاف ما يدعيه المثبت.

والعبرة في كل شيء ليست بالعدد وإنما هي بحقيقة الواقع في الشيء المعدود؛ فإذا كانت المسيحية كثرة لأفراد فإن المسيحيين قليلو المسيحية، بعبارة أخرى فإن من يعتبرون في عدد المسيحيين سواء في أوربا أو في غيرها لا تسيطر المسيحية على أكثريتهم ألا بقدر ما تسيطر عليهم التقاليد والعوائد، بحيث أصبحت المسيحية في كثير من الأقطار ظاهرة اجتماعية أكثر منها معتقدات فلسفية وتعاليم وأخلاقا.

والناس طبقات، وأظهر هذه الطبقات طبقة المالكين وأصحاب رؤوس الأموال وطبقة العاملين لهم وهم العمال والمأجورون.

فالطبقة الأولى، وهي طبقة رؤوس الأموال، لا ترى في المسيحية ألا إطار يحسن فيه إقامة المهرجانات الاجتماعية من زواج ودفن. وتباهي في تلك المهرجانات ولا تترد في الإنفاق عليها. . ثم أنها عهد قريب كانت ترى في الدين أداة لتسكين غضب العامل والأجير والفلاح لما هم فيه من بؤس وشقاء؛ وترغيبهم في حياة الآخرة بما فيها من نعيم يعوضهم ما لم يدركوه من أنواع الخير والنعيم في هذه الحياة الدنيا. غير أن طبقة العملة استقطبت من سباتها وأدركت أن الدين شيء، وما هي عليه من بؤس وشقاء شيء أخر. وإن الدين، الذي هو إيمان وسلوه ورجاء، لا ينبغي أن يكون ذريعة لأصحاب رؤوس الأموال يتوسلون بها إلى استغلال عملهم الشاق المضني لجمع المال وتنميته ينفقون جزءا تافه منه على تشييد الكنائس وإقامة الصلوات ويتركونهم يعيشون هم وأولادهم في بؤرة الشقاء والمرض والبؤس

ولم تحصل هذه النتيجة في عقول العامل والفلاح والأجير بتعاليم الاشتراكية والشيوعية

<<  <  ج:
ص:  >  >>