يلاحظ الباحثون أن لديهم مصادر لا بأس بها عن جميع الفلسفات الشرقية القديمة ما عدا الفلسفة الصينية فإنها ظلت إلى ما قبل هذه السنين الأخيرة مدروسة دراسة ناقصة، إذ لم يوفق قبل هذا العصر أحد لأن يكتب عنها كتاباً وافياً يعالج نواحي فلسفتها العميقة المتشعبة، ولكن ليس معنى ذلك أن هذه الفلسفة ظلت مجهولة تماماً إلى أن ظهرت تلك البحوث الأخيرة، كلا، فهذه الفلسفة قد عرفت في العالم الأوربي المتمدين قبل الفلسفة الهندية مثلاً، إذ ترجم (كونفيشيوس) سنة ١٦٨٧ و (مانسيوس) سنة ١٧١١، ولكن الذي ظل ينقص الباحثين إلى هذا العهد الأخير هو الكتب الشاملة لجميع نواحي هذه الحياة العقلية القيمة؛ غير أن هذه الثغرة قد أخذت تضيق على أثر شعور العلماء المحدثين بوجوب استيفاء هذه الدراسة الهامة، ذلك الشعور الذي تجلى بوضوح في كتاب العالم الكبير والمُستَصْين الخطير (ا. ف. زانكير). ولا ريب أن هذا المؤلف وأمثاله قد كشفوا للعقل الحديث عن ناحية هامة من نواحي الفكر البشري كانت مجهولة لدى العامة، ومعروفة معرفة مشوهة لدى الخاصة. ولهذا الجهل أو التشويه ثلاث أسباب: الأول صعوبة اللغة الصينية إلى حد يصعب معه إتقانها واكتشاف أسرارها. الثاني فقدان الثقة نهائياً من جميع الترجمات التي نقلت النصوص الصينية إلى اللغات الأوربية لما وجد بينها من تباين واختلاف جديرين بإسقاطها كلها من صف الحقائق العلمية. السبب الثالث هو ذلك الغرور الأوربي المتعجرف الذي ظل إلى ما قبل هذه السنوات الأخيرة يجزم في طفولة بأن أول فلاسفة الدنيا هو (تاليس) وأن العقلية الشرقية - ولا سيما الجنس الأصفر - غير قادر البتة على أن تنتج آراء فلسفية ذات قيمة عالية، إلى غير ذلك من الدعاوى السطحية التي