للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الدين العام المصري]

نشأته وتطوراته

للأستاذ أحمد صادق موسى

ليس الدين شراً كله كما أنه ليس خيراً كله، ولكنه لم يأخذ أية أمة مثلما أخذ في مصر طريقاً حافلاً بالحوادث، مليئاً بالاضطرابات، حتى أصبح تاريخه في مصر تاريخاً لفترة طويلة في حياتها السياسية والمالية، شهدت فيها البلاد ألواناً شتى من التدخل الأجنبي، وصوراً متعددة من التعسف، وضروباً كثيرة من التقلب والاضطراب. ولقد انتقل حكم مصر إلى سعيد باشا والبلاد لا تعرف طريقاً إلى القروض الأجنبية، حتى أحاط بالوالي الجديد بطانة من الفرنسيين وعلى رأسهم فردناند دلسيبس، فزينوا له فوائد الإصلاح ويسروا له سبل الاقتراض، فامتدت يد سعيد باشا إلى المصارف الأوربية للمرة الأولى، ثم إلى الأهالي، فاقترض عدة قروض كان منها الدين الثابت على المصارف الأجنبية ويقدر بمبلغ ٣. ٢٩٢. ٨٠٠ ج. ك ومنها الدين السائر على الأهالي ويقدر بمبلغ ٧. ٨٦٧. ٢٠٠ جنيهاً. فلما توفي سعيد باشا ترك البلاد وعليها دين يزيد على الأحد عشر مليوناً من الجنيهات

وتولى الخديو إسماعيل عرش مصر، وكان شاباً جريئاً طموحا، يفيض قلبه بالآمال، ويجيش صدره بأجمل ما يتمناه ملك يتفانى في خدمة بلاده، فأسرعت البطانة الأوربية وخاصة الفرنسية بالالتفاف حوله، كما التفت حول سلفه، تلتمس فيه نقط الضعف، فإذا بها، ويا لفخره. . . رغبته في الإصلاح وحبه للإنشاء. فراحت تزين له آفاق هذا المجال وتمده بالمال، فاندفع نحو الاقتراض مدفوعاً برغبته الصادقة في إصلاح حال مصر، وبحسن نواياه وثقته بمن حوله، وهم بطانة من الأجانب المرتزقة، أو المصريين الذين أعمى الطمع قلوبهم وأضل أفئدتهم، فصرفهم عن أن يخلصوا النصح لمولاهم، أو يتبصروا عواقب الأمور. . . وراحت القروض تتوالى على مر السنوات، وترتفع الأرقام في سرعة هائلة، فإذا الديون الثابتة تبلغ من سنة ١٨٦٢ إلى سنة ١٨٧٣ (أي مع دين سعيد باشا الثابت) ٦٨. ٤٩٧. ١٦٠ ج. ك. والديون السائرة ٢٥ مليوناً من الجنيهات. وقد كان أكبر هذه القروض الثابتة قيمة قرض سنة ١٨٧٣ بمبلغ ٣٢ مليون جنيه إنجليزي، وكان سعر الفائدة

<<  <  ج:
ص:  >  >>