للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

خلق الله. كما أنه أيضاً قد أمن - في نفس الوقت بطريقته هذه - استغراق الناظر لذلك الأثر الفني في جمال الأثر فينسى مبدع الكائنات وهو يتأمل فيما صنع الإنسان

على أن هناك ظاهرة في الزخرفة الإسلامية تلفت النظر، تتجلى لنا في الوحدات الزخرفية التي نرى فيها طائراً ينبت من جناحيه وذيله أغصان تتصل بها أزهار، أو سمكة ينتهي ذيلها بفرع نباتي ويخرج من رأسها وجسمها أوراق أشجار، أو رأس آدمي مركب على جسم طائر ذيله عبارة عن غصن طويل ملتف على نفسه، أو قطعة من خشب على شكل قيثارة مثلاً يخرج من جانبيها الأيمن والأيسر رأسا حصانين في فم كل منهما لجام يتخلص من طبيعته هذه بالتدريج حتى يصبح فرعاً نباتياً تتصل به أغصان وأزهار، وينبت من أذن كل منهما فرع نباتي يدور حول نفسه أولاً ثم يتفرع إلى فروع عدة، أو غير ذلك من الوحدات الزخرفية التي يجمع فيها الفنان عناصر الطبيعة المختلفة من حيوان ونبات وجماد بحيث يخرج بعضها من بعض؛ وكأنه في عمله هذا يرى أن المخلوقات كلها سواء يستوي لديه الحيوان والإنسان والنبات والجماد باعتبار أنها لا تثبت على صورة واحدة بل تتغير من حالة إلى حالة وليس لها جميعاً إلا وجود زائل سائر إلى الفناء بينما الخالق وحده هو الحق الباقي الذي لا يعتوره تغير ولا يلحقه فناء. والغالب أن الفنان المسلم متأثر في اتجاه هذا بتلك الآية الكريمة التي نزلت في إبراهيم عليه السلام والتي تشير إلى أن الثبات وعدم التغير من صفات الحق وحده دون مخلوقاته التي من شأنها التغير. يقول جل شأنه: (فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين. فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال إن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين. فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر، فلما أفلت قال يا قوم أني بريء مما تشركون. أني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين).

(يتبع)

محمد عبد العزيز مرزوق

الأمين المساعد بدار الآثار العربية

<<  <  ج:
ص:  >  >>