حفل عدد (الرسالة) الهجري الممتاز بخير ما تجود به أقلام الكتاب، وانفس ما تتمخض عنه قرائح المفكرين، فلاطتْ أحاديثه بكل قلب، وتغلغلت في كل ضمير؛ وأثارت في النفوس المؤمنة شعوراً قوياً من اليقين والأمل والثقة بمستقبل الإسلام وما ينتظره من خير على أيدي رجاله العاملين.
ونحن خليقون أن ننتفع من هذا الشعور، لا أن نكتفيَ بإدراكه وتسجيله؛ فهو الحافز الأقوى إلى التقدم، والسبب الأوثق إلى بلوغ الغاية، وهو أيضاً البشير الأصدق بأننا نسير على الجادة، ونمضي قدماً إلى ما عقدنا العزم عليه من النهوض بأنفسنا، وفي ظل هذا الدين الذي شرَّفنا الله به.
وإذا تجانسَ الشعور العام نحو أمرٍ ما، وتقاربت الأفكار حوله بل تلاقت؛ دل صحةٍ في النظر، وصدقٍ في الوسيلة، وشرفٍ في القصد والغاية. ولا أدلَّ على أن هذه حالنا اليوم، من ذلك الإحساس المتبادل الذي جاشت به قلوب كتابنا، ففاض على أسلات أقلامهم وحياً من الوحي، وآياً من الآي!. لقد هتفوا جميعاً بنداء واحد، ودعوا إلي كلمة سواء، هي أن نقف عند حدود شريعتنا فلا نعدوها، وأن نستغْنَي بقانونها عن كل قانون، ونادوا جميعاً أنظمة الغرب في حل مشاكل الحياة، وهداية البشر إلى طريق الخير والصلاح. . .
فعالج الأستاذ الجليل (صاحب الرسالة) مشكلة الفقر كمرض اجتماعيّ له خطورته؛ وبين ما طبَّ له به الإسلام من ضروب العلاج. ثم ذكر أن هذا العلاج (على إحاطته وبساطته ونجوعه ينهض وحده دليلاً على أفَن الذين يقولون إن دستور القرآن لا يأتلف مع المدنية، وشريعة نابليون أصلح للناس من شريعة الله، ونظام مَرْكس أجدى على العالم من نظام محمد)
وفي كلمة الإمام الأكبر الأستاذ المراغي ما نصه:(لا يزكو بأهل القِبلة أن يولوا وجوههم شطر المغرب يأخذون عنه من المذاهب والنظم والتقاليد ما أضل به أهله. إنما النور في الشرق مطلع الأديان، والهدى في شريعة الله مُنزل القرآن، والدليل في سنة الرسول صاحب الهجرة، والسبيل ما سلكه السلف الصالح فأوفي بهم على الغاية).