للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صراع بين ثقافتين]

فتنة الثقافة الأجنبية

ظاهرة في تفكيرنا وأدبنا تحمل على جد الأسف، هي أن الشؤون والنواحي القومية ما تزال مهملة منسية، في حين أن الشؤون والنواحي الأجنبية تلقى بيننا دائماً كثيراً من العناية والاهتمام.

وتلك ظاهرة قديمة في تاريخنا الحديث، ترجع إلى سبب معروف، هو سيادة النزعة الأجنبية في برامج التعليم التي تفرض على مصر منذ نصف قرن، والتي يلحظ فيها دائماً إقصاء عناصر الثقافة القومية أو إضعافها حتى لا تكون عاملاً في تغذية الشعور القومي وإذكائه؛ وإذكاء الشعور القومي شر ما يخشى المستعمر من أمة مغلوبة تطمح إلىاسترداد حريتها

وقد رجونا خيراً يوم قيل لنا إن برامج التعليم سوف تحرر من أصفادها القديمة ويعنى فيها بكل ما يرفع شأن الثقافة القومية، وتتخذ فيها لغة البلاد وتاريخها ومسائلها وشئونها مكانها اللائق؛ ولكن سرعان ما خاب هذا الأمل، وإن كانت اللغة العربية قد استردت في العهد الأخير شيئاً من حقها المسلوب؛ وما زالت النزعة الأجنبية تبث اليوم في برامجنا وثقافتنا كما كانت تبث بالأمس، ولم تتغير الغاية وإن تغيرت الوسائل.

ومازالت هده النزعة الأجنبية تتجلى في تفكيرنا وأدبنا بشكل واضح. ففي بضعة الأعوام الأخيرة مثلاً صدرت بالعربية كتب عن الدكتور مازاريك رئيس جمهورية تشيكوسلوفاكيا، والسنيور موسوليني، والغازي مصطفى كمال، وجيته شاعر ألمانيا الأكبر، وأخيراً عن الهر أدولف هتلر؛ وصدر بالعربية أيضاً كتابان عن باريس وكتاب عن لندن. فهذه كلها كتب عربية أخرجتها أقلام مصرية في موضوعات أجنبية في بضعة أعوام فقط. هذا إلى ما تنشره صحفنا ومجلاتنا من فصول ومباحث لا نهاية لها عن الموضوعات والشخصيات، وما يغرق فيه بعض أدبائنا الناشئين من الكتابة عن الكتاب الغربيين والأدب الغربي مما يسمونه بميسم الطرافة والتجديد.

وهذا حسن في ذاته لو أن مثل هذه العناية بالموضوعات الأجنبية يبذل لتناول الموضوعات الأجنبية والمسائل القومية. ولكن ماذا أخرجنا من الكتب والرسائل عن عظمائنا؟ وماذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>