نشرت أو تنشر عنهم صحفنا ومجلاتنا؟ لقد أصدرنا كتباً عن مازاريك وموسوليني ومصطفى كمال وجيته وهتلر، ولكن لم نصدر في تلك الفترة كتاباً واحداً عن أحد عظمائنا الذين يحفل بهم تاريخنا الحديث مثل عرابي، والبارودي، ومحمد عبده، وعلي مبارك، وقاسم أمين، وصبري، وسعد زغلول، وحافظ، وشوقي، وغيرهم ممن يغمطون إلى اليوم حقهم من الناحية الأدبية، ولا يفكر أحد من كتابنا في أن يعني بدراستهم وترجمتهم بما يجب من إفاضة وتحقيق.
نعم إن الأدب لا وطن له، والتفكير تراث الإنسانية كلها، والقلم حر له أن يجول أنى شاء؛ ولكن هذه الفتنة الغربية التي تأخذ علينا سبل التفكير في تراثنا القومي جديرة بكثير من التأمل والاهتمام؛ ففي الأمم الحرة التي يزدهر تفكيرها وأدبها في ظل الاستقلال والحرية، تأخذ جميع ألوان التفكير والأدب، قومية كانت أو خارجية مكانها من النهضة الأدبية العامة. ومع ذلك فإن التراث القومي يحتفظ دائماً بالمقام الأول، ويعتبر دائماً أقوى وأنفس غذاء للشعور القومي. فإذا كانت هذه الأمم التي يحتفظ فيها الشعور القومي بكل قوته واضطرامه تقدر دائماً فعل التراث والذكريات القومية في تغذية هذا الشعور وتكوينه، فأولى بالأمم المغلوبة التي يعمل فيها الغالب الأجنبي على محاربة الشعور القومي وإضعافه أن تجعل تراثها وذكرياتها نصب عينها دائماً، وأن تتخذها عدة وذخراً لتغذية هذا الشعور وإذكائه. ولما كان التفكير والأدب خير أداة لتحقيق هذه الغاية، فإن الواجب
الوطني يقضي على كتابنا أن يرعوا هذه الناحية وأن يجعلوا لها أوفر نصيب من عنايتهم، وأن يؤثروها دائماً بدرسهم
واهتمامهم.
إن الآداب القومية التي نضجت وازدهرت في كل النواحي والفنون لا غبار عليها إذا عنيت بالنواحي والشؤون الأجنبية ما شاءت وما وسعت، فهي بذلك تكسب دائماً ثروات جديدة، ولكن حيثما كانت الآداب القومية فقيرة كآدابنا، وحيثما كان التاريخ القومي منسياً مغموطاً، وحيثما كانت برامج التعليم والتربية عرضة لأهواء المستعمر ينفث فيها من وحيه الخطر، ويعمل دائماً على محاربة عناصرها القومية، يجب على قادة الفكر أن يتداركوا هذا النقص بأقلامهم وتفكيرهم، وأن يقاوموا هذا الخطر، فيقدموا دائماً إلى الشباب الذي يحرم