للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين تيمورلنك وبايزيد]

قصة الملك الأسير في قفص من حديد

للأستاذ محمد عبد الله عنان

لما زرت أنقرة عاصمة تركيا الجديدة منذ أعوام، وتأملت المدينة الناشئة التي اختارها القدر لتكون مبعث حياة جديدة للأمة التركية، تذكرت أن هذه الهضاب القفرة التي تحيط بالعاصمة التركية الجديدة كانت مسرحاً لحدث عظيم في تاريخ الدولة العثمانية، وأنها إذا كانت اليوم مركزة القوة والحياة في تركيا الجديدة، فقد كانت ذات يوم مبعث الدمار والويل لدولة بني عثمان وكادت أن تكون قبراً لسلطانهم الناهض ومجدهم الفتي

كان ذلك في سنة ١٤٠٢م، حينما انقض تيمورلنك الفاتح التتري بجيوشه الجرارة على هضاب الأناضول كالسيل، وحينما نشبت في هاتيك الهضاب الوعرة بينه وبين السلطان بايزيد الأول موقعة أنقرة الشهيرة التي سحقت فيها قوى آل عثمان وأسر ملكهم وأمراؤهم، وكادت تمحى دولتهم من الوجود لولا أن تطورت الحوادث بعد ذلك بسرعة، وتوفي الفاتح التتري بعد ذلك بقليل، وانهارت دعائم ذلك الصرح العسكري الهائل الذي شاده تيمور بغزواته وفتوحاته وانتصاراته العظيمة

وكان تيمور قد بدأ حياة الفتح بعد ذلك بنحو ثلاثين عاماً، وخرج من سمرقند عاصمة ملكه الناشئ يثخن في الأمم والممالك المجاورة شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، ويفتتح قطراً بعد قطر، ويسحق مملكة بعد أخرى؛ فلم يمض على هذا البدء ثلاثون عاماً حتى استطاع أن يجتاح جميع الممالك الواقعة بين سمرقند والشام، وبين قزوين والخليج الفارسي، وأن يفتتح الهند وخوارزم وفارس والجزيرة والقوقاز وأرمينية، وأن يبسط حكمه الشامل على تلك الممالك والأنحاء الشاسعة، وأن يبلغ ذروة الظفر والسلطان الباذخ

وفي سنة ١٣٩٩م خرج تيمور من سمرقند بجيشه الظافر لآخر مرة؛ وكان قد نفذ إلى الهند قبل ذلك العام وأثخن في بسائطها وقواعدها؛ واستولى على دهلي حاضرتها، وتم بذلك افتتاحه لممالك آسيا الوسطى؛ واخترق تيمور بجيشه الزاخر فارس واتجه نحو بلاد الكرج وأرمينية؛ وكانت هذه المنطقة مثار خلاف دائم بينه وبين بني عثمان، إذ كانوا يغيرون عليها من وقت إلى آخر؛ وكانت أملاك تيمور وبني عثمان تلتقي هنالك عند أرضروم

<<  <  ج:
ص:  >  >>