للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والفرات؛ وزحف تيمور على سيواس، وكان الترك العثمانيون قد احتلوها قبل ذلك بقليل، واستولى عليها؛ وبلغت هذه الأنباء سلطان الترك بايزيد الأول، وهو معسكر بجيشه تحت أسوار قسطنطينية يحاصرها، فلم يستطع شيئاً؛ واخترق تيمور بلاد الأناضول، وزحف نحو الشام وهي يومئذ ولاية مصرية، يقصد افتتاحها؛ ثم يفتتح مصر؛ وبذلك يبسط سلطانه على الشرق الإسلامي بأسره. واستولى تيمور على مدينة حلب في مناظر هائلة من السفك والعيث والنهب، وانقض سيل التتار المخرب على ربوع الشام يثخن فيها ويحمل أمامه كل شيء. وزحف الغزاة على دمشق في أوائل سنة ٨٠٣هـ (١٤٠٠م)؛ فروعت مصر لهذه الأنباء، وهرع ملك مصر الناصر فرج بجيوشه لملاقاة الفاتح التتري ونزل بدمشق في جمادى الأولى، واشتبك جند مصر مع جند الفاتح في معارك محلية كانت سجالاً؛ ولكن السلطان اضطر أن يعود فجأة إلى القاهرة لأنباء مزعجة نميت إليه فترك دمشق لمصيرها؛ واستولى تيمور على دمشق صلحاً، ولكنها لم تنج من سفكه وعيثه؛ على أنه لم يمكث طويلاً بالشام إذ وصلته الأنباء عن أهبة بايزيد وحركاته؛ فغادر الشام شرقاً إلى الفرات، ثم سار شمالاً إلى بلاد الكرج، وأشرف مرة أخرى على حدود مملكة (الروم)

وهنا تبدأ بين هذين العاهلين العظيمين وقائع تلك المعركة الشائقة التي تسبغ عليها تفاصيلها لوناً من الخيال الساحر، فقد استقبل تيمور سفراء بايزيد وأنبهم على مسلك مليكهم، وكتب إلى بايزيد رسالة يلومه فيها على حمايته لبعض الأمراء الذين خرجوا عليه، ويفاخره بفتوحاته الباهرة وسلطانه الباذخ ويحذره من سطوته وبطشه ويتحداه في عبارات جافية مثيرة؛ فرد عليه بايزيد برسالته الشهيرة التي تذكرنا عباراتها وأسلوبها برسائل الملوك الأقدمين وعهد الأساطير، وفيها يسخر منه وينتقص من قدره وقدر فتوحاته وغزواته، وينسب توفيقه فيها إلى غفلة الزمن وإلى ضآلة شأن خصومه، ويحمل على وسائله في الحرب والسياسة، ويرميه بالعدوان والغدر، ويرمي جنده ومواطنيه التتار بالعجز والخور؛ وينوه بقوته ومقدرة جنده، وعظيم استعداده للحرب والطعان. على أن ذلك لم يكن شيئاً بالقياس إلى ذلك التحدي الغريب الذي اختتم به بايزيد رسالته إلى تيمور، إذ يقول له: (فإن لم تأت تكن زوجاتك طوالق ثلاثا؛ وإن قصدت بلادي وفررت عنك ولم أقاتلك فزوجاتي إذ ذاك طوالق ثلاثا). ويعني ابن عربشاه مؤرخ تيمور عناية خاصة بذكر

<<  <  ج:
ص:  >  >>