محتويات الرسائل التي تبادلها الملكان، ويقول لنا إن تيموراً حينما وقف على هذا القسم الغريب الذي يلقيه بايزيد في وجهه ثارت نفسه غضباً، (لأن ذكر النساء عندهم من العيوب، وأكبر الذنوب)، فكيف بهذه الإشارة المثيرة إلى نساء الفاتح وحليلاته
وهكذا اعتزم العاهلان أن يخوض كلاهما ذلك النضال الذي يشهره كلاهما في وجه الآخر؛ فبادر تيمور إلى الزحف في جيشه الزاخر شرقاً نحو هضاب الأناضول، ونفذ إلى مملكة الروم، واستولى في طريقه على مدينة قيصرية، ثم اخترق نهر هاليس، وطوق مدينة أنقرة؛ وكان بايزيد قد استطاع في الفترة التي قضاها تيمور في الشام أن يجمع قواته وأن يستكمل أهبته. وتقول لنا الروايات المعاصرة إن جيش التتار بلغ يومئذ زهاء ثمانمائة ألف مقاتل، وأن جيش الترك بلغ زهاء أربعمائة ألف، وهي أرقام هائلة في تلك العصور وخصوصاً إذا ذكرنا ما كانت عليه وسائل النقل والتموين يومئذ من نقص وصعوبة. وكان الجيش العثماني يتفوق على جيش التتار بنظامه، ويمتاز بالأخص بفرق الانكشارية الجريئة؛ ولكن جيش التتار فضلا عن تفوقه العددي، كان متفوقاً في روحه المعنوي. وكانت هذه الانتصارات المتوالية التي أحرزها التتار ما بين السند والأناضول قد بثت في نفوس الغزاة روحاً من الثقة الوطيدة. ولما وقف بايزيد على مقدم تيمور هرع إلى لقائه في ظاهر أنقرة، وكان هذا اللقاء الشهير بين الجيشين العظيمين في يوم الأربعاء ٢٧ ذي الحجة سنة ٨٠٤ (أواخر يولية سنة ١٤٠٢) وأبدى بايزيد وجيشه شجاعة فائقة؛ ولكن سرعان ما دب الوهن إلى قواته، وانسحب بعضها من الميدان بإغراء تيمور ووعوده. وسرعان ما حلت النكبة بالترك فمزقت قواتهم وسحقت، وأسر بايزيد وعدة من ولده وآله؛ وفر ولده سليمان في بقية من الجيش صوب العاصمة؛ وطارد الغزاة العدو المنهزم، واستولوا على كوتاهية؛ ثم زحف محمد سلطان حفيد تيمور إلى بروصه عاصمة مملكة الروم فاستولى عليها، وعاث فيها ونهب القصور الملكية وسبى حريم السلطان، وفر سليمان إلى الشاطئ الأوربي حاملاً ما استطاع إنقاذه من خزائن أبيه. وسحق ملك بني عثمان تحت سنابك الغزاة مدى حين
وهنا تعرض للحرب صفحة في تلك المأساة الشهيرة، فإن ابن عربشاه مؤرخ تيمور يقول لنا إن الفاتح التتري سجن بايزيد في قفص من الحديد كما فعل قيصر مع سابور ملك