وعندي أن السر في أن شعر علي محمود طه المهندس قد نال شيئاً من التقدير والثناء مرجعه لإجادة الصنعة والصقل، ولو أن مواده هي الأخرى تافهة بدائية المعنى، غير صادقة، يعوزها الشعور الفردي القوي، والنظر الأصيل الواحد.
ثم لأن العرف الدارج والعقل الشعبي قد تعود أن يقرن الشعر بمظاهر الطبيعة المعروفة. . فيقول الناس عن ليلة مقمرة: أنها ليلة شعرية، أو عن روضة فيحاء: إنها تبعث على النشوة والسرور، وإنهما لكذلك. غير أن الشاعر الذي لا يتعدى في نغمه ووعيه الشعري سوى ترديد ما تواضع عليه الناس وأقروا به، إنما يدل على أن المحاكاة والتقليد والعرف الدارج هي أميز خواص فكره، وأخص ميادين لعبه الفكري.
وعلي محمود طه يكتب عن الطبيعة ويستوحي النهر والبحر والغدير والقمر والأشباح والرياض والشفق، ويفهم أن (الطبيعة) التي يجدر بأن تنظم شعراً هي الطبيعة في أضخم مظاهرها وأعظمها، وأوقعها في الحس، وأشدها رائحة، وأهولها منظراً؛ وهو لا يفهم هذا الفهم ويتجه إليه لأن مزاجه هكذا، ولكن لأن هذه الأشياء قد كثرت في الشعر وأصبحت معروفة معترفاً على أنها تصلح موضوعاً للشعر، ولو لم يحس الأديب تجاهها بأي شعور غريب أو نظر حديث.
وبديهي أن الشاعر المعاصر الذي لا يلتفت في عالم الطبيعة إلا إلى المظاهر التي التفت إليها خلافه من عهد آدم، يدل أولاً على أن تقدمه الذهني وقف هناك، وأن وعيه الفني لم يتطور؛ ففي الطبيعة خلاف البحر الذي يقف عنده القروي، وفي الطبيعة خلاف الشواطئ التي تقف عندها سفن البحارة، أشياء أخرى أدق وربما كانت ألصق بحياتنا وأجدر بالتفات الشاعر. فالحجر الصلد الذي يقف في طريقك، و (الشارع) الذي تصقله مصلحة التنظيم حيث يعمل جماعة المهندسين، والفأر الهارب من سفينة خربة، والذباب الذي يطن على