هل صحيح ما يقول الشاعر أن عين الرضى عن كل عيب كليلة. . . لا أدري فقد صار كل شئ يحيرني، وما من أمر إلا أراني يبدو لي فيه رأيان أو مذهبان لطول ما عودت نفسي أن أنظر إلى (الجانب الآخر) فلو أني كنت قاضياً لظلت أحكامي تدور في نفسي ولا يجري بها لساني أو يخطها قلمي. وليس هذا من التردد، فأن من كان ضيق الصدر متنبه الأعصاب مثلي قلما يتردد. وما أكثر ما يؤثر الجزم والبت وإن كان في شك من الصواب كبير. ولكنما هذا من حب الموازنة والرغبة في إنصاف كل جانب من جوانب الرأي. وقد قلت لنفسي وأنا قاعد أتدبر قول هذا الشاعر القديم إن أعظم الرضى رضى المرء عن نفسه. أم ترى هذا ليس من الرضى. . لا أدري أيضاً. . وأخشى أن أظل لا أدري فلا أخرج بشيء أبداً. . . ولو أني أعطيت نفس إنسان غيري لما قبلت؛ ومع ذلك لا تخفى علي عيوبي ونقائصي من مادية وأدبية، ومن بدنية أو نفسية أو عقلية، فأنا أعلم أني. . . . ولكن هل من الضروري أن أفضح نفسي وأهجوها إلى الناس. . . ومن دلائل الرضى عن النفس على الرغم من الإحاطة بعيوبها، والفطنة إلى مواطن الضعف والنقص فيها أني أستخف بهذه العيوب ولا أبالي أن أذكرها، ولا أعبأ شيئاً إذا رأيت الناس يعرفونها كما أعرفها؛ وأني لأدرك بعقلي أنها نقائص ومذام ولكني أراني اتخذ أحياناً من المعالنة بها مفخرة ومحمدة، ولست أستخف بها في الحقيقة ولكنما أحاول تهوينها على نفسي حتى لا يكربني أمرها، ولأظل محتفظا بحبي لنفسي ورضاي عنها وغروري بها، وحب النفس من حب الحياة
وتذكرت وأنا أقلب هذا وأديره في رأسي مقالا أو فصلا لأديسون الكاتب الإنجليزي المعروف - أم ترى لا يقرأه أبناء الجيل الجديد - يتصور فيه أن الله جلت قدرته أذن للناس أن يخلعوا ويرموا ما لا يرضيهم من أجسامهم، فهذا رمى أنفه وذاك آخر ألقى أذنيه، وأخرج الثالث عينيه وقذف بهما، ونزع رابع ساقه وطرحها؛ وهكذا حتى صارت الأعضاء والجوارح المرمية المزهود فيها كوماً عالياً. وعاد الله فأذن لهم أن ينتقي كل واحد من هذا الكوم بديلاً مما زهد فيه ورماه فأقبلوا يقلبون ويبحثون وأخذ كل واحد ما أعجبه ووضعه