للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[العالم الإسلامي حقيقة واقعة]

للأستاذ سيد قطب

الذين يتحدثون اليوم عن (العالم الإسلامي) بوصفه كتلة ثالثة تملك أن تلعب دورا أساسيا في سياسة العالم، وتملك أن يكون لها وضع خاص متميز لا يرتبط بسياسة الكتلة الشرقية ولا بسياسة الكتلة الغربية.

هؤلاء لا يتحدثون عن مسألة تاريخية قد انقضى أوانها، ولا يتحدثون عن أمل في ضمير الغيب البعيد يتعلق به الخيال. . إنما يتحدثون عن حقيقة واقعة. حقيقة قائمة، لا سبيل إلى إنكارها، ولا سبيل إلى المغالطة فيها. .

إنها حقيقة تاريخية، وحقيقة جغرافية، وحقيقة اقتصادية، وحقيقة فكرية وشعورية. . فلها كل مقومات الحقائق الواقعة التي لا تجدي في دفعها المغالطة والنكران. . .

إنها حقيقة تاريخية. . فالعالم الإسلامي كان كتلة واحدة ذات ثقل واحد في ميزان التاريخ، وميزان الاتجاه العالمي، وميزان السياسة الدولية، وميزان الأحداث الإنسانية. . ولقد ظل كذلك منذ القرن السابع إلى أوائل القرن التاسع عشر. أي حوالي ألف ومائتي عام على الرغم من كل ما حاق به من محن، وكل ما أصابه من ويلات، وكل ما دب في كيانه من تمزق. والفترة الوحيدة التي خف فيها وزن الكتلة الإسلامية هي هذه الفترة الأخيرة التي لا تتجاوز قرنا واحدا من الزمان وهي حقيقة جغرافية؛ فالكتلة الإسلامية تمتد في حدود متصلة أو شبه متصلة من مراكش إلى تونس، إلى الجزائر، إلى طرابلس، إلى وادي النيل، إلى فلسطين، إلى سوريا ولبنان، إلى شرق الأردن والعراق، إلى نجد والحجاز، إلى اليمن، إلى إيران، إلى تركيا، إلى أفغانستان، إلى باكستان، إلى أندنيسيا. وتكون حاجزا كاملا يفصل بين الكتلة الشرقية والكتلة الغربية، بحيث يصعب تصور أي التحام بين هاتين الكتلتين لا يمر بذلك الحاجز الطويل العريض المتصل الحدود.

وهي حقيقة اقتصادية؛ فهذه الرقعة الفسيحة من الأرض تحوي من الخامات والموارد الطبيعية والإنتاجية ما يكفي لتكوين وحدة اقتصادية متكاملة، تكاد تكفي نفسها بنفسها. فإذا احتاجت إلى شيء فهي تمتلك أن تقدم نظيره، ويبقى الميزان الاقتصادي العام في صالحها. وقد برهنت الحرب العالمية الماضية على صحة هذه الحقيقة؛ حينما تعذر الاستيراد من

<<  <  ج:
ص:  >  >>